من الجن ، ضلال كضلال وظنّ كظن : (يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً) (٦ : ١١٢).
أو (أَنَّهُمْ) رجال الإنس والجن الضالون السابقون (ظَنُّوا كَما ظَنَنْتُمْ) أنتم الموجودين من القبيلين ، خطابا لهما من رسل الجن ، عرفه الجن بما خوطبوا والإنس بما نزل به القرآن :
(أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللهُ أَحَداً) : لا بعث النبوة في حياة التكليف ، ولا بعث الحياة الأخرى في حياة الجزاء!! ترى كيف يجتمع الظن و «لن» وهي تحيل البعث والظن يرجّح عدمه؟ الجواب ان «ظنوا» يحكي عن واقع ما في أنفسهم ، إذ لا سبيل لليقين بعدم البعث : (وَقالُوا ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ وَما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ) (٤٥ : ٢٤) و «لن» تحكي عما يدعون من العلم بعدم البعث ، وعما يشهد له واقع اعمالهم وتصرفاتهم كأنهم على علم مما يظنون! وإن هم لا يظنون.
هذا ظنهم دون سناد إلى شيء ، فكما العلم بحاجة الى سبب كذلك الظن ، وهناك العقل والنقل والفطرة تدلنا على ضرورة البعثين كما نراها في طيات آياتها.
(وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً. وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً. وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً).
هنا رسل الجن يستعرضون لمسهم السماء للاستماع الى الملإ الأعلى ، أنهم كانوا يقعدون منها مقاعد للسمع دون حرج ولا حظر ولا خطر ، فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا ، فهل إن الحرس الشديد والشهاب الرصد شيء جديد؟ آيات الشهب تقول إنها كانت منذ خلقت سماء الأنجم والشياطين الذين كانوا يسمّعون الى الملإ الأعلى!
أم أنما حصل جديدا هو ملء السماء حرسا شديدا أو شهبا ، مهما كانوا
(تفسير الفرقان ـ ج ٢٩ ـ م ١٢)