موجودين قبل ذاك دون شدة وكثرة؟ آيات الشهب لا تنفي الكثرة السابقة ، بل وقد تلوح إليها! : (وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جانِبٍ دُحُوراً وَلَهُمْ عَذابٌ واصِبٌ)!
إذا فهل الجديد منع الجن عن السماء بعد ما كانوا يلمسونها؟ آيات الشهب تصرح ان السماء بالملإ الأعلى كانت ممنوعة قبل ذاك أيضا! فما هو التوفيق؟
الجواب في كل الأطراف المعنية واضح وضح النهار ، من الآيات أنفسها : فآيات الشهب الثاقبة ، انما تختصها بدحر الشياطين المتسمعين للملإ الأعلى ، المسترقين السمع وليس لهم ، وأما الجن المؤمنون ولا سيما رسلهم الكرام فلا تمنعهم : (إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ. وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ. لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جانِبٍ. دُحُوراً وَلَهُمْ عَذابٌ واصِبٌ. إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ) (٣٧ : ١٠) (وَلَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاها لِلنَّاظِرِينَ. وَحَفِظْناها مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ. إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ مُبِينٌ) (١٥ : ١٨) (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَجَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ وَأَعْتَدْنا لَهُمْ عَذابَ السَّعِيرِ) (٦٧ : ٥).
فلا الجن المؤمنون المتسمعون للملإ الأعلى ، ولا الإنس الذين لا يقدرون التسمع ، لم يكونوا ممنوعين ومدحورين ، وقد كان لرسل الجن هؤلاء مقاعد خاصة في السماء عند الملإ الأعلى فيها يسمعون ، وكان حقا لهم بما هم رسل يستمعون الوحي ثم يولّون الى قومهم منذرين ، فلما ابتعث خاتم المرسلين محمد صلى الله عليه وآله وسلم ملئت السماء كل السماء حرسا شديدا ومن الشهب الرصد ، السماء كل السماء ، وفي مقاعد الجن المؤمنين ايضا ، ولأن الوحي ختم بعد النبي ، وفي وحي القرآن كفاية عما كانوا يستمعون ، وزيادة عما كانوا يأملون ، فكان ولا بد من ان تملأ السماء حرسا شديدا وشهبا تدحر الجن كافرين ومؤمنين.
فالذي حصل جديدا زمن النبي الجديد أن السماء ملئت حرسا شديدا ، وفي مقاعد الجن المؤمنين ايضا ، بعد ما كانت خالية عنهم آمنة من دحرهم ، وشهابا رصدا لهم يمنعهم عن التسمّع الى الملإ الأعلى منعا ، دون مسّ من كرامتهم ، أو عذاب لهم واصب ، أو شهاب ثاقب يثقبهم كما كانت لمردة