بما سعى وغوى ، ولكن الله هو الذي يزيغ القلوب بعد ما زاغت جزاء وفاقا : (فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ).
(وَجَعَلْتُ لَهُ مالاً مَمْدُوداً. وَبَنِينَ شُهُوداً).
إن المال الممدود والبنين الشهود هما الأساسان الأصيلان في الحياة الدنيا ، وليس الإمداد بهما من الله مسارعة في الخيرات ، فقد يكون إملاء وابتلاء : (أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ. نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ) (٢٣ : ٥٥).
والمال الممدود ما يمدّ الإنسان في الحياة ويجره إلى بغيته فيها كما يهواه ، وهذا الممدود يقتضي مدّا زمنيا طول الحياة دون انقطاع ، ومدّا من حيث المكان ، ولكي يستطيع تجوالا واسعا في ماله وكما يروى : «كان ماله ممدودا ما بين مكة إلى الطائف ، من ضرع وزرع وتجارات وبساتين وأشجار وأنهار ، وكان له بستان لا ينقطع صيف شتاء ثم يقتضي مدا فيها بالزيادة دون نقصان ، ولقد كان له كل ذلك ، لكنه لم يمدّه إلا في طغيان يعمه وبغي وترح (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ) (٣ : ١٧٨).
والبنون الشهود هم الشاهدون مصالح الأب ماديا ومعنويا ليل نهار ، فالبنون الغيّب عن الأب ، المستقلون في مصالحهم ، ليسوا قوة وأزرا للأب ، وقد يكونون عليه وزرا ، كالشهود في مصالحهم أنفسهم ، والغيّب عن مصالح الأب ، فعدمهم خير من وجودهم ، وغيابهم خير من شهودهم.
فالوليد الوحيد أعطي بنين شهودا : شهودا لأمواله استزادة لها دون نقصان وشهودا لأحواله في الأتراح والأفراح ، وشهودا له لا عليه ، فيما يتطلب الشهادة ، وشهودا في تلقيهم عن والدهم ، وأداء له ، يمثلونه كأنهم هو وكأنه هم ، لا يفارقهم ولا يفارقونه ، وقد كانوا ـ كما يروى ـ ثلاثة عشر ، أقوياء جبارين عقلاء.