هزيلا ضعيفا على ماله الممدود وبنيه الشهود ، وبالنظرة إلى وحدة الخالق في كفايته بأس الوليد ، يرتعش الحسّ من بأس الله ارتعاشة الفزع المزلزل ، إذ يتصور انطلاق القوة التي لا حدّ لها ، ففي هذه الوحدات الأربع ، ينسحق المخلوق أيّا كانت قدرته وجبروته ، فما ذا يصنع إذا الوحيد الضعيف المسكين الهزيل الضئيل!.
ففيما يخيّل إلى الرسول (ص) أن لكيد الوحيد وأضرابه ، تأخيرا للدعوة وتأثيرا سيئا على المدعوين ، نرى المهيمن الجبار الواحد القهار ، كيف يطمئنه (ص) ويريحه : أن الوحيد في خلق الوليد هو الوحيد الكافي عنه بأسه ، كيف لا! وقد خلق وحيدا عن كل حول وقوة ، مما يدل أنه لا يملك لنفسه شيئا ، فما له مع من يملكه ويملك كل شيء!.
وفيما إذا سئلنا عن رابع المعاني المسبقة ، هل إن خلق الإنسان من زنا ، هو من الله؟ أو إن تجرده عن المثل الأخلاقية من الله؟.
فالجواب أن الله هو الذي يخلق الجنين ، من نكاح كان أو من سفاح ، فولد الزنا من خلق الله كغيره سواء ، وليست عملية الزنا أو النكاح إلا من الإنسان ، و «خلقت وحيدا» : عن زنا دون أب يعرف ، ليس إلا تنديدا بأصله المتخلف عن شريعة الله ، وان لم يكن له هو دخل في هذا الأصل ، ولكنه مشى حياته التخلف ، واستمر على ولادة الزنا خلقا ، دون أن يرجع إلى فطرته ، فاستحق الذم بكيانه ككل.
ثم الإنسان ـ أيّا كان ـ يولد على فطرة سليمة طاهرة ، فإذا انطلق منها انطلاقة الخير فهو السعيد بما سعى وهداه الله ، وإذا تخلف عنها حجبت فطرته بالشهوات والتخلفات ، وتصبح في الترذل إلى أسفل سافلين ، يرده الله إليه بعد ما خلقه في أحسن تقويم ، فكأنما خلق هكذا أجرد ، عن المثل العليا بمبادئها ، إذ لا يلمس فيه شيء منها ولا ندى ، فكأنه ـ إذا ـ خلق وحيدا عنها (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً) طالما كانت الوحدة عن تلكم المثل والتجرد عنها ، كل ذلك