ذرني أنا وحيدا مع من خلقته ، فالخالق وحده كاف لخلقه أجمع ، في خيرهم وشرهم ، فلا تحاول لمجابهة كيد الوليد الوحيد وغيره ، إلا حول الله وقوته.
ذرني ومن خلقته أنا وحيدا ، لم يشاركني في خلقه غيري ، فلا يكفي شره غيري.
ذرني ومن خلقته حال وحدته ، بلا مال ولا بنين ، ثم جعلت له مالا ممدودا وبنين شهودا ، فأنا المعطي وأنا الآخذ ، فأنا الكافي شره وبأسه.
ذرني ومن خلقته وحيدا عن مثل الإنسانية كلها ، وعن الأب أيضا ، فقد ولد من زنا ولم يعرف له أب ، وكما عن الإمام الصادق (ع) «الوحيد ولد الزنا».
ومن ألطف ما هنا في «وحيدا» أنه على الأخيرين يلمح إلى اسمه المستعار «وحيد قريش» إذ كان يسمى وحيدهم الفريد ، وكما ادعاه هو أيضا (١) فهذا التلميح عما كان يفتخر به هو وقومه ، يعكس الأمر إلى التقبيح ، أنه الوحيد عن المثل وعن أب يعرف ، لا في الفضائل ، وإن كان وحيدا في المال الممدود والبنين الشهود ، فهو من خلق الله لا منه ، فبماذا يفتخر وفيم يغتر؟ هل بما جعل الله له من مال وبنين إملاء وابتلاء؟ أم بما تجرد في أصله عن أب يعرف ، أو في حاله الجرداء عن كل معروف؟.
وعلى الأولين يلمح إلى صغره وضعفه وجاه خالقه العظيم ، ف (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً).
هذه المعاني الأربعة متضامنة ، قد لا تصلح واحدة دون أخرى ، فخلق الوليد وحيدا عن المال والبنين ، خلق يعم كل مخلوق ، وفيما إذا انضم إليه وحدته عن الأب ، فهو صفة ذم ، وبانضمام وحدة الخالق في خلقه ، يصبح الوليد
__________________
(١) نور الثقلين ٥ : ٤٥٧ عن زرارة قال : ذكر لابي جعفر (ع) عن أحد بني هشام انه قال في خطبته : انا الوليد الوحيد ، فقال : ويله! لو علم ما الوحيد ما فخر بها ، فقلنا له وما هو؟ قال : من لا يعرف له أب.