إنما نفخة وصرخة في الكائنات كل الكائنات ، فهي ناقور لهذا النقر ، وصور لهذا النفخ ، نفخ في الصور هو نقر في الناقور ، وليس الصور الناقور إلا الكائنات بذواتها ، تدمّر بصيحة واحدة ، فإذا هم بالساهرة ، صيحة هي زجرة تنقر أعماق الذوات ، لحد تبدّل إلى غير ذواتها : (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ) (١٤ : ٤٨).
(فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ. عَلَى الْكافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ)
هل إنها هنا نقرة الإحياء ، إذ يدركون عسره بالجزاء الوفاق؟ ففي نقرة الإماتة يموت المؤمن والكافر سواء ، فالعسر يومئذ لهما سواء! أم إنه النقرتان؟ فطالما الموت بالنقرة لهما سواء ، ولكنما المؤمن يستحليه بما تعقبه من رحمات الله ونعمائه ، فهو له ـ إذا ـ يوم عسير يسير (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) يجعله يسرا ، ولكنما الكافر يستعسره بما تعقبه من نقماته عسرا على عسر ، فهو له ـ إذا ـ عسير غير يسير.
فمن طبع يوم النقرة الصعقة أنه عسير على المؤمن والكافر سواء ، ولكنه رغم طبعه العسير ، على المؤمن يسير ، وعلى الكافر غير يسير ، لما يخلفه من نقرة الإحياء ، ومن ثم الحساب ، فما أجدر الكافرين أن يسمعوا للبشير النذير ، قبل أن يفاجئهم هذا اليوم العسير العسير.
(ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً)
تقول الأحاديث أن المندّد به في هذه الآيات هو الوليد بن المغيرة المخزومي ، وكان شيخا كبيرا مجربا من دهاة العرب ، وكان من المستهزئين برسول الله (ص) حملته قريش على أن يفكر ويقدر لكي يعارض القرآن بما عارض (إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ). و «وحيدا» هنا يتحمل كونه حالا من مفعول «ذرني» ومن فاعل «خلقت» وهما الله وحده ، أم من مفعول «خلقت» المحذوف «ه» أو مفعولا له ثانيا ، فالمعني على الترتيب :
(تفسير الفرقان ـ ج ٢٩ ـ م ١٦)