فتنة للكافرين والذين في قلوبهم مرض ، واستيقان وازدياد لإيمان أهل الكتاب والمؤمنين.
إن هذا العدد بالذات ، وكسائر العدد في سائر المواضيع ، مما يثير رغبة الجدال للجاهل المتعنت في قلوب مقلوبة ونفوس مريضة ، لماذا الزبانية تسعة عشر؟.
لماذا هذه القلة القليلة؟ فبإمكاننا نحن الأشداء الأقوياء أن ندفعهم ، وعلى حدّ تعبير قائلهم أبو جهل : «ثكلتكم أمهاتكم اسمع ابن أبي كبشة يخبركم أن خزنة النار تسعة وأنتم الدّهم ، أفيعجز كل عشرة منكم أن يبطشوا برجل من خزنة جهنم»؟ (١) فهذا الوغد النكد خيل إليه أن التسعة عشر رجال ، وهم ملائكة وعلى قلة عددهم أقوياء عددا! على حدّ قول الرسول الأقدس (ص): «كأن أعينهم البرق ، وكأن أفواههم الصياصي ، يجرون أشفارهم ، لهم مثل قوة الثقلين ، يقبل أحدهم بالأمة من الناس يسوقهم ، على رقبته جبل ، حتى يرمي بهم في النار ، فيرمي بالجبل عليهم» (٢).
إنما هنا وهناك العدد الإلهية تعمل كما يريد الله ، وليست العدة ذات أهمية ، بل ولا أصل الجنود (وَما هِيَ إِلَّا ذِكْرى لِلْبَشَرِ) فالعدد أيا كان إنه فتنة لهؤلاء الأوغاد المناكيد ، تسعة عشر أو عشرين ، أو زد عليها ما شئت ، فان المجادل الجاهل لا يقف لحد في الجدال ، فالعاقل إنما يجادل من يجوز عليه الجهل ، مع علم مسبق له نفسه ، وبرهان قاطع يتنافى والخبر الجديد ، وأما الناكرون للجحيم وزبانيتها ، والنار وحدودها ، فكيف لهم الجدال مع نسّاق الوجود ، العالم بالعدد والمعدود والحد والمحدود؟ كأن لهم العلم بحد العدد وهو الجاهل ، أو هم
__________________
(١) الدر المنثور ٦ : ٢٨٤ ـ اخرج ابن جرير عن ابن عباس قال لما سمع ابو جهل (عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ) قال :
(٢) المصدر اخرج ابن مردوية عن ابن عباس قال حدثت ان النبي (ص) قال :