قسما بهذه الشواهد الكونية ، إن الآيات القرآنية لإحدى الكبر ، هي الوحيدة بين آيات الله الكبرى ، فإن الآيات المعجزات لمن سبق من الرسل كانت وقتية بصرية وقد زالت ، على كونها كبيرة في وقتها ومغزاها ، ولكنما القرآن آية خالدة تجري كجري الشمس ، ويشرق على قلوب وأفكار المكلفين ما طلعت الشمس وغربت ، فهو شمس لا تغرب ، بل وتزداد نورا وبهورا على مرّ الدهور ، وانها تفك النفوس عن رهانة الأعمال الأغلال التي تسوقها إلى سقر.
(إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ. نَذِيراً لِلْبَشَرِ) فالقرآن نذير بشير ، والسقر نذير ، والتسعة عشر نذير للبشر :
(لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ) فهذه النذارة الإلهية من القرآن ومن سقر وتسعة عشر ، انها للبشر كل البشر ، مخيرا دون مسير : (لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ) اختيارا للتقدم فنعمّا ، أو للتأخر فبئسما : (أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ). (فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ).
لقد هيّأ الله دوافع تقدم الإنسان الى المثل العليا بالفطرة التي فطر الناس عليها ، وبالعقول المتصلة واخرى منفصلة هم رجالات الوحي ، فمن شاء تقدما في فطرته وعقله على ضوء السنن الإلهية ، الكونية والتشريعية ، فحسبه القرآن هاديا له وسراجا منيرا ، ومن تخلف عن ذلك كله وانحاز الى الشهوات والمغريات فهو المتأخر عما هيأ الله له فلا يلومن إلّا نفسه : (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى).
(كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ) ان رهانة النفوس بأعمالها ضابطة عامة تعم المكلفين أجمع ، وإن كانوا مؤمنين بعضا ، إلا أصحاب اليمين (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ) (٥٢ : ٢١) رهانة معتدلة قابلة للتخفيف لمن آمن مهما أخطا وعصى ، ورهانة مؤكدة لغير المؤمن وكما يوحيها «رهينة» فانها ليست هنا للتأنيث ، لاستواء المذكر والمؤنث في الفعيل ، بل للمبالغة ، فمن النفوس رهين ومنها رهينة ومنها غير رهين كأصحاب اليمين ومن فوقهم ، فإن لهم