نفوسا قدسية ، فلا ترهن بأعمالها ، ولا يسأل عنها ، لأنها ما كسبت في إيمانها وأيمانها الا خيرا فأصبحت خيرا في ذواتها ، لا يقدر ثوابها بأعمالها.
والنفس هنا تعني كلا الروح والجسم ، وكذلك ما كسبت ، تعم مكاسبها الروحانية والجسدانية ، وإن كان الجسد لا يعمل إلا على ضوء الروح ، ولكنما الروح قد تكسب مكاسب مجردة بلا وسائط ، كالعقيدة والإيمان والنيّة وأضرابها ، فهي تثاب بها أو تعاقب كما سعت ، وقد تكسب بواسطة الجسد كسائر الأعمال الجسدانية ، فهي تثاب أو تعاقب بواسطة الجسد ، والمدرك في كلا الحالين هو الروح ، والرهن يعم الكسبين ، ولا سيما أن الكاسب هو الروح في الحالين.
فالنفوس كلها ، إلا أصحاب اليمين والسابقين ، انها رهينة بمكاسبها ، خيرة وشريرة : (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً) (٣١ : ٣٠) تجد خيرها وشرها سواء ، فتجزى بهما على سواء ، إلا أصحاب اليمين وأحرى منهم السابقين المقربين :
(إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ. فِي جَنَّاتٍ ..) صحيح أن من أصحاب اليمين من لا يخلو عن سيئات ، ولكنهم متحللون عن رهانتها برجاحة الحسنات : (إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ) (١١ : ١١٤) فسيئاتهم مكفرة بكبائر الحسنات وبترك كبائر السيآت : (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً) (٤ : ٣١) بل ومنهم من يبدل الله سيئاتهم حسنات : (إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ) (٢٥ : ٧٠).
فهؤلاء سوف لا يرون ولا يجدون سيئاتهم يوم العرض في الميزان لأنها كفرت أو بدلت حسنات ، فلا ترهن نفوسم بالسيئات ، والحسنات لا ترهن وتقيد نفوس أصحابها ، وانما تحررّها عن السؤال ، وعن حدود مقررة لها ، فلهم جزاء بلا حساب وفوق الحساب.
ان التقسيم الثلاثي الذي تحمله آيات عدة ، يجعل المؤمنين غير التائبين ، ومن