لم تكفر سيئاته ، يجعلهم في أصحاب الشمال ، فليس اصحاب الشمال هنا على سواء ، وإنما هم المرهنون بأعمالهم ، سواء المخلدون في النار ، أو الناجون عنها بعد أمد قريب ام بعيد : (فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ. وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ. وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ. فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ. ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ. وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (٥٦ : ١٤) (فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ. فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ. وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ. فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ. وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ. وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ) (٥٦ : ٩٣) فالفريق الأخير من أضل أصحاب الشمال ولا يشملهم كلهم فان منهم : آخرون (خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ) (٩ : ١٠٢) وإذا رجحت سيئاتهم أم لم تكفر بحسناتهم فسبيلهم الأخيرة هي النجاة من النار.
ثم أصحاب اليمين. وأحرى منهم السابقون المقربون. هم ليسوا رهائن مكاسبهم ، فهم ـ ولا سيما الآخرون ـ ليسوا من المحضرين للحساب ، فإنهم فوق الحساب : (فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ. إِلَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ) (٣٧ : ١٢٨) فقد استقروا في مستقر العبودية فبماذا يحاسبون؟ وأصحاب اليمين منهم كفّرت سيئاتهم بحسناتهم أو بدّلت حسنات ، فعلى م يحاسبون؟ :
(إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ. فِي جَنَّاتٍ يَتَساءَلُونَ. عَنِ الْمُجْرِمِينَ. ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ).
(يَتَساءَلُونَ) جميعا (عَنِ الْمُجْرِمِينَ) تساؤل صاحب الشأن المفوض في الموقف ، سؤال تبكيت وتجهيل وتخجيل ، وليسمع الجواب من في الموقف ، ويتذكره هنا من يقرء القرآن ويسمعه.
(عَنِ الْمُجْرِمِينَ) وهم من المرهونين بما كسبوا ، فالإجرام قطع الثمرة عن الشجرة ، فهم الذين قطعوا ثمرات الحياة ولم ينتفعوا منها ، قطعا بعد إيناعها كمن آمن ثم كفر ، أو قطعا عن نموها وإيناعها كالذين تخلفوا عن هداية الفطرة