فهل يا ترى ان الأمة الأمة كانية ـ قبل اكتشافها ـ لم تكن أمة بشرية حتى تستحق نذيرا يخلو فيها؟ : (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ)! (٣٥ : ٢٤) أفهل نكذب كلام الله لأن تاريخ الرسالات لم ينقل لنا عن أنبياء أمريكا شيئا؟ والقرآن يقول : (وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ) وكيف بنا! إذ نجهل أحيانا من قصهم الله ، فكيف بمن لم يقصصهم؟!
(قالُوا بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنا وَقُلْنا ما نَزَّلَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ).
هذا الاعتراف ـ إذ لا مرد لهم منه ـ إنه عذاب نفسي فوق عذاب التنديد ، إضافة إلى عذاب السعير ، وشهود الجماهير ، وإلقائهم جماعة في السعير مهانة ، فقد شملهم وأحاط بهم مختلف ألوان العذاب : نفسيا وجسدانيا ، وكما كانوا عذابا يوم الدنيا في الناحيتين ، وخلقوا جو العذاب لمجتمعهم ..
وهنا نعرف من الجواب أنهم كانوا ممن جاءهم نذير بالوحي ، فواجهوا سفراء ربهم بكل وقاحة وحماقة ، تجمع بين توهين الله بفرية : (ما نَزَّلَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ) وتوهين الرسل : (إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ) وهذه إهانة ثانية لله تعالى ، إذ يحسبون رسالته السامية ضلالا كبيرا ، وهؤلاء هم المشركون وكما عن باقر العلوم (ع) (١).
ومن هنا نعرف وهن العذاب لمن لم يعش الرسالات ، أو يواجهها بهكذا تكذيب وقح ، فكل إنسان يعمل على شاكلته ، ويجزى على شاكلته ، وكان ربك بصيرا.
__________________
(١) نور الثقلين ٥ : ٣٨١ محمد بن مسلم عنه (ع) تفسيرا لهذه الآيات.