والأنفسية ، حاقّة لمن يعرفها بثوابها ، وحاقة على من ينكرها بعذابها ، بأحوالها الواقعة وأهوالها ، وحاقة بكل ما يحق عقلا وعدلا في قسطاس الإله العدل المتعال ، تحقّق لكلّ عامل سعيه ، خيرا وشرا ، إظهارا للحق المجهول والمتجاهل عنه يوم الدنيا ، ليوم الدين ، يوم يقوم الناس لرب العالمين.
(مَا الْحَاقَّةُ)؟ سؤال استعظام وإجلال لأمر الحاقة.
(وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ)؟ إعظام ثان لأمرها : إنك ـ وأنت الرسول ـ ما كنت تدري ما هي لولا أن الله عرّفك وأدراك بها!
(كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعادٌ بِالْقارِعَةِ) : ثمود هم قوم صالح من الثمد وهو الماء القليل الذي لا مادة له ، فهم وعاد قوم هود ألعن حماقى الطغيان ، وقد كذبتا ـ فيما كذبتا ـ بالقارعة ، القيامة القارعة ، التي تقرع الكون وتدكّه ، تضرب الناس بفنون الأهوال وجنون الأحوال ، والسماء بالانشقاق والانفطار ، والأرض والجبال بالدك والنسف ، والنجوم بالطمس والانكدار ببعضه ، فلما كذّبتا بها حقت عليهما القارعة التي تقرعهم بالحق فيما تقرع.
(فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ) : بالصيحة الطاغية (وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِثَمُودَ) (١١ : ٦٨) ، وبالرجفة الطاغية (فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ) (٧ : ٧٧) صيحة ورجفة خلّفتا صاعقة : (.. فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) (٤١ : ١٧) ، (فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ) (٥١ : ٤٤).
إنهم أهلكتهم قبلكم الطاغية بطغواهم .. طاغية بطاغية : (كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها) (٩١ : ١١) ولقد اختصرت تلكم الحادثة هنا ـ في الحاقة ـ بحق الأمر الواقع من العذاب : «الطاغية» فائضا بالهول المناسب لثورة السورة ، تطويهم طيا ، وتطغى عليهم بما بغوا وطغوا (فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ)؟!