وحسوما بتواصلها في أيامها الحاملة العذاب الصرصر (فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ...) (٤١ : ١٦) أيام كأنها في تواليها يوم واحد : (إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ) (٥٤ : ٢٠).
(فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى) : في هذه الأيام النحسات ، وفي صرصرها العاتية تراهم ميتين في مصارعهم (كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ) : خالية جوفاء ملقاة على أعجازها. ك «نخل منقعر» : والنخل الخاوية الأعجاز ، المنقعرة المصرومة ، أشبه شيء بالموتى الصرعى.
(فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ) : لا حاضرا إذ لا خبر واقع عنهم ، إلا باقية باغية مزرية ، ولا غابرا إذ لم تبق لهم حتى جثثهم : والريح الصرصر العقيم هي التي جعلتهم مندثرين ، إما قذفا لأجسادهم أو رمادهم في اليم ، أو نثرها عبر الهواء. (فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ)؟ كلا : لا نفوس باقية ولا آثار من جثثهم الجهنمية ، فقد اجتثوا من جذورهم ، بأنفسهم ونفائسهم : (فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلَّا مَساكِنُهُمْ) (٤٦ : ٢٥) ، فلم يبق منهم من يتحدث عنهم ولا حتى قبورهم اللهم إلا مساكنهم الخالية الخاوية .. فيا له من تعبير عديم النظر يرسم لنا مشهد التدمير كأننا الآن نشهده ، فهنا عاصفة مزمجرة ، وهناك ضحايا الزمجرة ، صرعى كأنهم اعجاز نخل خاوية ، فهل ترى لهم من باقية؟.
(وَجاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكاتُ بِالْخاطِئَةِ فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رابِيَةً).
(وَجاءَ فِرْعَوْنُ) موسى (وَمَنْ قَبْلَهُ) من فراعنة التاريخ بهوامش الضلالة : (وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْناهُمْ وَجَعَلْناهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ عَذاباً أَلِيماً. وَعاداً وَثَمُودَ وَأَصْحابَ الرَّسِّ وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً. وَكُلًّا ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ وَكُلًّا تَبَّرْنا تَتْبِيراً) (٢٥ : ٣٩).