فإن قلت (١) : إنّ الألم من الإدراك غير تفرّق الاتّصال الحاصل بالقطع (٢) مثلا ، وهو أمر وجوديّ بالوجدان. وينتقض به قولهم : «إنّ الشر بالذات عدميّ». اللهمّ إلّا أن يراد به أنّ منشأ الشرّيّة عدميّ وإن كان بعض الشرّ وجوديّا.
قلت : أجاب عنه صدر المتألّهين (٣) قدسسره بأنّ الألم إدراك المنافي العدميّ ـ كتفرّق الاتّصال ونحوه ـ بالعلم الحضوريّ الّذي يحضر فيه المعلوم بوجوده الخارجيّ عند العالم ، لا بالعلم الحصوليّ الّذي يحضر فيه المعلوم عند العالم بصورة مأخوذة منه لا بوجوده الخارجيّ ، فليس عند الألم أمران : تفرّق الاتّصال ـ مثلا ـ والصورة الحاصلة منه. بل حضور ذلك الأمر المنافي هو الألم بعينه ، فهو وإن كان نحوا من الإدراك لكنّه من أفراد العدم ، وهو وإن كان نحوا من العدم لكن له ثبوت على حدّ ثبوت أعدام الملكات ، كالعمى والنقص وغير ذلك (٤).
__________________
ـ غير مؤثّر عنده ، وأنّ الموجودات ليست من حيث هي موجودات ولا من حيث هي أجزاء نظام الوجود بشرور أصلا. إنّما يصحّ أن يدخل في الشرّيّة بالعرض إذا قيست إلى خصوصيّات الأشياء العادمة لكمالاتها من حيث هي مؤديّة إلى تلك الأعدام. فإذا إنّما شرور العالم امور إضافيّة مقيسة إلى آحاد أشخاص معيّنة بحسب لحاظ خصوصيّاتها مفصولة عن النظام الوحدانيّ المتّسق المتلأم من الأشياء جميعها. وأمّا في حدّ أنفسها وبالقياس إلى الكلّ فلا شرّ أصلا. فلو أنّ أحدا أحاط بجملة نظام الوجود ولاحظ جميع الأسباب المتأدّية إلى المسبّبات على الترتيب النازل من مبدأ الكلّ طولا وعرضا رأى كلّ شيء على الوجه الّذي ينبغي للوجود والكمال الّذي يبتغيه النظام ، فلم ير في الوجود شرّا على الحقيقة بوجه من الوجوه أصلا».
(١) هذا الإشكال هو الّذي ذكره المحقّق الدوانيّ في حاشية شرح التجريد القوشجيّ : ١٤. وتعرّض له صدر المتألّهين في الأسفار ٤ : ١٢٦ ، و ٧ : ٦٢ ـ ٦٣.
(٢) أي : قطع العضو.
(٣) راجع الأسفار ٧ : ٦٣ ـ ٦٨.
(٤) ولا يخفى أنّ المصنّف رحمهالله أورد على هذا الجواب ـ في تعليقته على الأسفار ٧ : ٦٣ ـ ثمّ أجاب عن الإشكال بوجه آخر ، فقال : «الظاهر أنّ الجواب لا يفي بدفع الإشكال :
أمّا أوّلا : فلأنّ الإشكال بما هو أعمّ من إدراك الحسّ ، وانّما ذكر قطع العضو من باب المثال. وما ذكر من دعوى العلم الحضوريّ لا يطّرد في مثل الألم الحاصل من إدراك موت الاحبّاء ـ مثلا ـ وغيره من العلوم التصديقيّة الخياليّة. ـ