والحاصل : أنّ النفس ـ لكونها صورة الإنسان الأخيرة (١) الّتي بحذاء الفصل الأخير ـ جامعة لجميع كمالات النوع ، واجدة لعامّة القوى البدنيّة وغيرها. فتفرّق الاتّصال ـ الّذي هو آفة واردة على الحاسّة تدرك النفس عنده (٢) فقدها (٣) ـ كمال تلك القوّة الّتي وردت عليها الآفة في مرتبة النفس الجامعة ، لا في مرتبة البدن المادّيّة.
ثمّ إنّ الشرّ ـ لمّا كان هو عدم ذات أو عدم كمال ذات ـ كان من الواجب أن تكون الذات الّتي يصيبها العدم (٤) قابلة له (٥) ، كالجواهر المادّيّة الّتي تقبل العدم بزوال صورتها الّتي هي تمام فعليّتها النوعيّة ، وأن تكون الذات الّتي ينعدم كمالها بأصابة الشرّ قابلة لفقد الكمال ، أي أن يكون العدم عدما طاريا لها لا لازما لذاتها ، كالأعدام والنقائص اللازمة للماهيّات الإمكانيّة ، فإنّ هذا النوع من الأعدام منتزع من مرتبة الوجود وحدّه.
وبهذا تبيّن أنّ عالم التجرّد التامّ لا شرّ فيه ، إذ لا سبيل للعدم إلى ذواتها الثابتة
__________________
ـ وأمّا ثانيا : فلأنّ القول بكون الإدراك الحسّيّ علما حضوريّا غير مستقيم ، مع كثرة الأغلاط الحاصلة في الحسّ إذا قيس المحسوس إلى الخارج. وأمّا رجوع كلّ علم إلى الحضوريّ بوجه فليس ينفع في دفع دفع الإشكال ، فإنّه اعتبار للعلم في حدّ نفسه لا بالقياس إلى الخارج.
ويمكن دفع أصل الإشكال بأنّ الصورة العلميّة الّتي يتألّم بها من حيث إنّ الإنسان مثلا مستكمل بها ، ليست بشرّ ولا ألم ، وهو امر وجوديّ ، ومن حيث أنّها عين ما في الخارج ـ مثلا ـ من قطع العضو وزوال الاتّصال أمر عدميّ. والشرّ والألم هناك ، وكذا في غيره من الأمثلة».
وناقش في الجواب أيضا الحكيم السبزواريّ ثمّ أجاب عن الإشكال بوجه آخر ، حاصله : أنّ الألم أمر وجوديّ وليس شرّا بالذات ، وإنّما شرّيّته من جهة عدم ملاءمته للنفس ، ومجرّد عدم الملاءمة للنفس الناشىء من ضعف النفس لا يخرجه عن الخيريّة والوجود. راجع تعليقته على الأسفار ٧ : ٦٤ ـ ٦٥.
(١) قوله : «الأخيرة» صفة للصورة. أي : لكونها صورة أخيرة للإنسان.
(٢) أي : عند الاتّصال.
(٣) أي : الآفة الواردة.
(٤) وفي النسخ : «يصيبه العدم» والصحيح ما أثبتناه.
(٥) أي : للعدم.