بإثبات مبدئها ، ولا سبيل لعرض الأعدام (١) المنافية لكمالاتها الّتي تقتضيها وهي موجودة لها في بدء وجودها.
فمجال الشرّ ومداره هو عالم المادّة الّتي تتنازع فيه الأضداد وتتمانع فيه مختلف الأسباب وتجري فيه الحركات الجوهريّة والعرضيّة الّتي يلازمها التغيّر من ذات إلى ذات ومن كمال إلى كمال.
والشرور من لوازم وجود المادّة القابلة للصور المختلفة والكمالات المتنوّعة المتخالفة ، غير أنّها ـ كيفما كانت ـ مغلوبة للخيرات ، حقيرة في جنبها إذا قيست إليها.
وذلك أنّ الأشياء ـ كما نقل عن المعلّم الأوّل (٢) ـ من حيث الخيرات والشرور المنتسبة إليها على خمسة أقسام : إمّا خير محض ، وإمّا شرّ محض ، وإمّا خيرها غالب ، وإمّا شرّها غالب ، وإمّا متساوية الخير والشرّ.
والموجود من الأقسام الخمسة قسمان ، هما : الأوّل الّذي هو خير محض ، وهو الواجب تعالى الّذي يجب وجوده وله كلّ كمال وجوديّ وهو كلّ الكمال ، ويلحق به المجرّدات التامّة. والثالث الّذي خيره غالب ، فإنّ العناية الإلهيّة توجب وجوده ، لأنّ في ترك الخير الكثير شرّا كثيرا.
وأمّا الأقسام الثلاثة الباقية ، فالشرّ المحض هو العدم المحض الّذي هو بطلان صرف لا سبيل إلى وجوده. وما شرّه غالب وما خيره وشرّه متساويان تأباهما العناية الإلهيّة الّتي نظمت نظام الوجود على أحسن ما يمكن وأتقنه.
وأنت إذا تأمّلت أيّ جزء من أجزاء الكون وجدته أنّه لو لم يقع على ما وقع عليه بطل بذلك النظام الكونيّ المرتبط بعض أطرافه ببعض من أصله ، وكفى بذلك شرّا غالبا في تركه خير غالب.
__________________
(١) وفي النسخ : «العروض» والصحيح ما أثبتناه.
(٢) نقله عنه صدر المتألّهين في تعليقاته على شرح حكمة الإشراقّ : ٥٢١.