السادس : الفاعل بالعناية ، وهو الّذي له علم سابق على الفعل ، زائد على ذاته ، نفس الصورة العلميّة منشأ لصدور الفعل من غير داع زائد ، كالإنسان الواقع على جذع عال ، فإنّه بمجرّد توهّم السقوط يسقط على الأرض ، وكالواجب تعالى في إيجاده الأشياء عند المشّائين (١).
السابع : الفاعل بالتجلّي ، وهو الّذي يفعل الفعل ، وله علم تفصيليّ به هو عين علمه الإجماليّ بذاته ، كالنفس الإنسانيّة المجرّدة ، فإنّها لمّا كانت صورة أخيرة لنوعها كانت على بساطتها مبدأ لجميع كمالاتها الثانية الّتي هي لعلّيّتها واجدة لها في ذاتها ، وعلمها الحضوريّ بذاتها علم بتفاصيل كمالاتها وإن لم يتميّز بعضها من بعض ، وكالواجب تعالى بناء على ما سيأتي إن شاء الله (٢) أنّ له تعالى علما إجماليّا بالأشياء في عين الكشف التفصيليّ (٣).
الثامن : الفاعل بالتسخير ، وهو الفاعل الّذي هو وفعله لفاعل ، فهو فاعل مسخّر في فعله ، كالقوى الطبيعيّة والنباتيّة والحيوانيّة المسخّرة في أفعالها للنفس
__________________
(١) راجع التعليقات للشيخ الرئيس : ١٨ ـ ١٩ ، وشرح الإشارات ٣ : ١٥١. ونسب إليهم في الأسفار ٢ : ٢٢٤ ، وشرح المنظومة : ١٢٠ ، وشوارق الإلهام : ٥٥٠.
(٢) راجع الفصل الحادي عشر من المرحلة الثانية عشرة.
(٣) والمراد من علمه الإجماليّ هو قسيم العلم بالقوّة والعلم التفصيلي ، وهو علم بسيط فيه كلّ التفاصيل. قال المحقّق الآمليّ : «إنّه إجماليّ في عين الكشف التفصيليّ. وإنّما ينشأ ذلك من كون الفاعل بسيط الحقيقة وأنّ بسيط الحقيقة كلّ الأشياء. فكما أنّ وجوده تعالى وتقدّس مع وحدته كلّ الوجودات بحيث لا يشذّ عن سعة وجوده وجود فكذلك من علمه بذاته ـ الّذي يكون عين ذاته ، لا أمرا زائدا على ذاته ـ يعلم كلّ الأشياء حيث لا يكون شيء خارجا عنه.
وإذا كان كلّ الأشياء حاضرا لدى ذاته فكلّ الأشياء معلوم لذاته بنفس علمه بذاته الّذي هو عين ذاته لا بعلم آخر. وهذا معنى كون علمه السابق على الفعل إجماليّا في عين الكشف التفصيليّ. أمّا أنّه إجماليّ فبمعنى أنّه علم واحد متعلّق بذاته الّذي هو عين ذاته. وأمّا أنّه تفصيليّ فلأنّه علم بجميع ما عداه الّذي لا يشذّ عن حيطة ذاته وسعة وجوده». راجع درر الفوائد ١ : ٣٤٦ ـ ٣٤٧.