يدخلوها لكونهم محبوسين وهم يطمعون لم ييأسوا. ويجوز أن يكون له محل ، بأن يقع صفة لرجال (ما أَغْنى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ) المال أو كثرتكم واجتماعكم (وَما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ) واستكباركم عن الحق وعلى الناس ، وقرئ : تستكثرون ، من الكثرة.
(وَنادى أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ قالُوا إِنَّ اللهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ (٥٠) الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا وَما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ)(٥١)
(أَفِيضُوا عَلَيْنا) فيه دليل على أن الجنة فوق النار (أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ) من غيره من الأشربة لدخوله في حكم الإفاضة ، ويجوز أن يراد : أو ألقوا علينا مما رزقكم الله من الطعام والفاكهة. كقوله :
عَلَفْتُهَا تِبْنا وَمَاءً بَارِدا (١)
وإنما يطلبون ذلك مع يأسهم من الإجابة إليه حيرة في أمرهم ، كما يفعل المضطر الممتحن.
(حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ) منعهم شراب الجنة وطعامها كما يمنع المكلف ما يحرّم عليه ويحظر ، كقوله :
حَرَامٌ عَلَى عَيْنَىَّ أَنْ تَطْعَمَ الْكَرَى (٢)
__________________
(١) ما حططت الرحل عنها واردا |
|
علفتها تبنا وماء باردا |
يقول : لما حططت الرجل عن الناقة حال كوني وارداً للماء ، علفتها تبنا وسقيتها ماء بارداً ، على حذف العامل في ماء. ويحتمل أن المعنى : ناولتها تبنا وماء على التجوز في العلف ، وذلك لأن الماء لا يكون معلوفا لها. ويجوز أن يكون مفعولا معه ، أى علفتها تبنا مصاحبا للماء ، فلا يلزم أن يكون الماء معلوفا ، ومنعه لأن الماء لا يصاحب التبن في العلف ، فيه نظر ، لجواز أنه وضع لها التبن ووضع لها ماء معه ، لتتناول ما شاءت. ورواية الفراء هكذا :
علفتها تبنا وماء باردا |
|
حتى شتت همالة عيناها |
وشتوت بموضع كذا : أقمت به زمن الشتاء ، أى حتى كانت زمن الشتاء محالة : أى كثيرة الدموع عيناها ، همالة : نصب على الحال ، وعيناها : فاعل به. ويروى : حتى غدت ، وحتى بدت.
(٢) حرام على عيني أن تطعم الكرى |
|
وأن ترقئا حتى ألاقيك يا هند |
«الكرى» النعاس ، وهو أول النوم. يقال : كرى يكرى كرى ، من باب تعب إذا نعس. وشبه بالمطعوم على طريق المكنية. و «أن تطعما» أى تذوقا تخييل. ورقأ الدمع والدم ـ بالهمز ـ : سكن. وإسناده للعين مجاز عقلى ، لأنه للدمع. ويحتمل أنه استعار ترقئا لتغمضا ، لأن فيه سكون الجفون. يقول : ممتنع على عينى النعاس والغموض ، أو عدم البكاء امتناعا مؤكداً ، كما يمتنع المحرم على المكلف ، ففيه استعارة تصريحية حتى ألاقيك يا هند. وأنال من نوالك. وفي النداء معنى التفجع.