وصفوا لا يعلم ما بين جنبيها إلا الله تعالى ، وعظماؤهم ينظرون ، ثم نتجت ولداً مثلها في العظم فآمن به جندع ورهط من قومه ، ومنع أعقابهم ناس من رؤسهم أن يؤمنوا ، فمكثت الناقة مع ولدها ترعى الشجر وتشرب الماء ، وكانت ترد غبا ، فإذا كان يومها وضعت رأسها في البئر فما ترفعه حتى تشرب كلّ ماء فيها ، ثم تتفحج (١) فيحتلبون ما شاءوا حتى تمتلئ أوانيهم ، فيشربون ويدخرون. قال أبو موسى الأشعرى : أتيت أرض ثمود فذرعت مصدر الناقة فوجدته ستين ذراعا. وكانت الناقة إذا وقع الحرّ تصيفت بظهر الوادي فتهرب منها أنعامهم فتهبط إلى بطنه وإذا وقع البرد تشتت بطن الوادي فتهرب مواشيهم إلى ظهره ، فشق ذلك عليهم وزينت عقرها لهم امرأتان : عنيزة أمّ غنم ، وصدقة بنت المختار ـ لما أضرّت به من مواشيهما وكانتا كثيرتى المواشي ـ فعقروها واقتسموا لحمها وطبخوه ، فانطلق سقبها حتى رقى جبلا اسمه قارة فرغى ثلاثا وكان صالح قال لهم : أدركوا الفصيل عسى أن يرفع عنكم العذاب ، فلم يقدروا عليه وانفجت (٢) الصخرة بعد رغائه فدخلها. فقال لهم صالح : تصبحون غداً ووجوهكم مصفرّة ، وبعد غد ووجوهكم محمرة ، واليوم الثالث ووجوهكم مسودّة ، ثم يصبحكم العذاب فلما رأوا العلامات طلبوا أن يقتلوه. فأنجاه الله إلى أرض فلسطين. ولما كان اليوم الرابع وارتفع الضحى تحنطوا بالصبر وتكفنوا بالأنطاع ، فأتتهم صيحة من السماء فتقطعت قلوبهم فهلكوا (تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللهِ) أى الأرض أرض الله والناقة ناقة الله ، فذروها تأكل في أرض ربها ، فليست الأرض لكم ولا ما فيها من النبات من إنباتكم (وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ) لا تضربوها ولا تطردوها ولا تريبوها بشيء من الأذى إكراماً لآية الله. ويروى : أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حين مر بالحجر في غزوة تبوك قال لأصحابه «لا يدخلنّ أحد منكم القرية ، ولا تشربوا من مائها ، ولا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين أن يصيبكم مثل الذي أصابهم (٣)» وقال صلى الله عليه وسلم «يا علىّ ، أتدري من أشقى الأوّلين»؟ قال : الله ورسوله أعلم. قال «عاقر ناقة صالح ، أتدرى من أشقى الآخرين»؟ قال : الله ورسوله أعلم. قال «قاتلك (٤)» وقرأ أبو جعفر في رواية
__________________
(١) قوله «ثم تتفحج» أى تفرج ما بين رجليها. (ع)
(٢) قوله «وانفجت الصخرة» أى انفتحت. (ع)
(٣) متفق عليه من حديث ابن عمر رضى الله عنهما من طرق.
(٤) أخرجه ابن إسحاق في المغازي : حدثني يزيد بن محمد بن خيثم عن محمد بن كعب القرظي عن محمد بن خيثم والد يزيد المذكور عن عمار بن ياسر قال «كنت أنا وعلى رفيقين في غزوة العسرة إلى أن قال : فقال يا على ، ألا أخبرك بأشقى الناس : رجلين؟ قال : بلى يا رسول الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ثمود الذي عقر الناقة ، والذي يضربك يا على على هذه وأشار إلى رأسه ـ حتى يبل هذه ـ ووضع يده على لحيته» ومن هذا الوجه أخرجه النسائي في الخصائص والحاكم والطبري والبيهقي في الدلائل. وفي الباب عن جابر بن سمرة أخرجه الطبراني وعن صهيب أخرجه أبو يعلى والطبراني. وعن على أخرجه ابن مردويه في تفسير والشمس وضحاها «تنبيه» في رواية ـ