(وَقالُوا قَدْ مَسَّ آباءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ) يعنى وأبطرتهم النعمة وأشروا فقالوا : هذه عادة الدهر ، يعاقب في الناس بين الضراء والسراء. وقد مس آباؤنا نحو ذلك ، وما هو بابتلاء من الله لعباده ، فلم يبق بعد ابتلائهم بالسيئات والحسنات إلا أن نأخذهم بالعذاب (فَأَخَذْناهُمْ) أشد الأخذ وأفظعه ، وهو أخذهم فجأة من غير شعور منهم.
(وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ)(٩٦)
اللام في القرى : إشارة إلى القرى التي دل عليها قوله (وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍ) كأنه قال : ولو أنّ أهل تلك القرى الذين كذبوا وأهلكوا (آمَنُوا) بدل كفرهم (وَاتَّقَوْا) المعاصي مكان ارتكابها (لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) لآتيناهم بالخير من كل وجه. وقيل أراد المطر والنبات (وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ) بسوء كسبهم ويجوز أن تكون اللام في القرى للجنس. فإن قلت : ما معنى فتح البركات عليهم؟ قلت : تيسيرها عليهم كما ييسر أمر الأبواب المستغلقة بفتحها. ومنه قولهم : فتحت على القارئ ، إذا تعذرت عليه القراءة فيسرتها عليه بالتلقين.
(أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً وَهُمْ نائِمُونَ (٩٧) أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ)(٩٨)
البيات يكون بمعنى البيتوتة. يقال : بات بياتاً. ومنه قوله تعالى (فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ) وقد يكون بمعنى التبييت ، كالسلام بمعنى التسليم. يقال : بيته العدو بياتاً ، فيجوز أن يراد : أن يأتيهم بأسنا بائتين ، أو وقت بيات ، أو مبيتاً ، أو مبيتين ، أو يكون بمعنى تبييتاً ، كأنه قيل : أن يبيتهم بأسنا بياتاً. و (ضُحًى) نصب على الظرف. يقال : أتانا ضحى ، وضحيا ، وضحاء
__________________
ـ البيد بن ربيعة العامري. يقول : إذا لم يكف در النوق في قرى الضيف ، كان قراء من شحومها ، فأسند القرى إلى اللبن لأنه آلته أو سببه. وإسناد الضمان إلى نوق الإبل مجاز أيضاً ، لأنها محل المضمون. والفعلان في الحقيقة لمالك الإبل. والمراد : أنها معدة لذلك إما بلبنها أو شحمها. والعضلة : الحسنة السمينة. والبكر : الفتى من الإبل ذكراً أو أنثى. والمعازب المهزول ، من عزب إذا أبعد. والمعزابة والمعزاب : الذي طالت عزوبته وبعده لعدم نسله أو لبعده عن البيوت ، فكأنه بمعنى المباعد في الأصل ، ثم أريد به المهزول مجازاً. والكزم بالزاي القصير. ومنه كزم ككتف. وأكزم وكزما ، فالكزوم كصبور القصيرة. وقيل المسنة التي قصر مشفرها الأسفل عن الأعلى. أو التي لم يبق لها سن من الهرم. وكزمه أيضا إذا كسره بمقدم فمه. ويجوز أن المعازب بالفتح جمع معزاب أو معزابة ، فيكون البكر مستعملا في معنى الجمع ، أى لا تترك الوسط السمان من الإبل ذاهبين إلى الصغار المهازيل والمسنات البالغات في الهرم ، ولكنا نجعل السيف يعض منها ، بأسوق جمع ساق مضاف إلى عافيات ، أى كثيرات الشحم لتركها من العمل سنة أو سنتين. والكوم جمع كوماء ، أى عظيمات الأسنمة مرتفعاتها.