يعدّون آلات الصيد يوم السبت ، وهم مأمورون بأن لا يشتغلوا فيه بغير العبادة. والسبت : مصدر سبتت اليهود ، إذا عظمت سبتها بترك الصيد والاشتغال بالتعبد ، فمعناه : يعدون في تعظيم هذا اليوم ، كذلك قوله (يَوْمَ سَبْتِهِمْ) معناه يوم تعظيمهم أمر السبت. ويدل عليه قوله (وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ) قراءة عمر بن عبد العزيز : يوم إسباتهم. وقرئ : لا يسبتون ، بضم الباء. وقرأ على : لا يسبتون بضم الياء ، من أسبتوا. وعن الحسن : لا يسبتون على البناء للمفعول ، أى لا يدار عليهم السبت ، ولا يؤمرون بأن يسبتوا ، فإن قلت : إذ يعدون ، وإذ تأتيهم ، ما محلهما من الإعراب؟ قلت : أمّا الأوّل فمجرور بدل من القرية ، والمراد بالقرية أهلها ، كأنه قيل : واسألهم عن أهل القرية وقت عدوانهم في السبت ، وهو من بدل الاشتمال. ويجوز أن يكون منصوباً بكانت ، أو بحاضرة. وأمّا الثاني فمنصوب بيعدون. ويجوز أن يكون بدلا بعد بدل. والحيتان السمك ، وأكثر ما تستعمل العرب الحوت في معنى السمكة (شُرَّعاً) ظاهرة على وجه الماء. وعن الحسن : تشرع على أبوابهم كأنها الكباش البيض. يقال : شرع علينا فلان إذا دنا منا وأشرف علينا. وشرعت على فلان في بيته فرأيته يفعل كذا (كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ) أى مثل ذلك البلاء الشديد نبلوهم بسبب فسقهم (وَإِذْ قالَتْ) معطوف على إذ يعدون ، وحكمه حكمه في الإعراب (أُمَّةٌ مِنْهُمْ) جماعة من أهل القرية من صلحائهم الذين ركبوا الصعب والذلول في موعظتهم ، حتى أيسوا من قبولهم ، لآخرين كانوا لا يقلعون عن وعظهم (لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللهُ مُهْلِكُهُمْ) أى مخترمهم ومطهر الأرض منهم (أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً) لتماديهم في الشر. وإنما قالوا ذلك ، لعلمهم أن الوعظ لا ينفع فيهم (قالُوا مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ) أى موعظتنا إبلاء عذر إلى الله ، ولئلا نسب في النهى عن المنكر إلى بعض التفريط (وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) ولطمعنا في أن يتقوا بعض الاتقاء. وقرئ (مَعْذِرَةً) بالنصب ، أى وعظناهم معذرة إلى ربكم ، أو اعتذرنا معذرة (فَلَمَّا نَسُوا) يعنى أهل القرية ، فلما تركوا ما ذكرهم به الصالحون ترك الناسي لما ينساه (أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا) الظالمين الراكبين للمنكر. فإن قلت : الأمة الذين قالوا (لِمَ تَعِظُونَ) من أى الفريقين هم؟ أمن فريق الناجين أم المعذبين؟ قلت : من فريق الناجين ، لأنهم من فريق الناهين. وما قالوا ما قالوا إلا سائلين عن علة الوعظ والغرض فيه ، حيث لم يروا فيه غرضا صحيحاً لعلمهم بحال القوم. وإذا علم الناهي حال المنهي وأن النهى لا يؤثر فيه ، سقط عنه النهى. وربما وجب الترك لدخوله في باب العبث. ألا ترى أنك لو ذهبت إلى المكاسين القاعدين على المآصر (١) والجلادين المرتبين للتعذيب لتعظهم وتكفهم عما هم فيه ،
__________________
(١) قوله «على المآصر» المآصر هي المحابس ، من أصره الله حبسه. كذا في الصحاح. (ع)