كان ذلك عبثا منك ، ولم يكن إلا سببا للتلهى بك. وأما الآخرون فإنما لم يعرضوا عنهم إمّا لأن يأسهم لم يستحكم كما استحكم يأس الأولين ، ولم يخبروهم كما خبروهم ، أو لفرط حرصهم وجدّهم في أمرهم كما وصف الله تعالى رسوله عليه الصلاة والسلام في قوله (فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ) وقيل : الأمة هم الموعوظون ، لما وعظوا قالوا للواعظين : لم تعظون منا قوما تزعمون أنّ الله مهلكهم أو معذبهم؟ وعن ابن عباس رضى الله عنه أنه قال : يا ليت شعري ما فعل بهؤلاء الذين قالوا : لم تعظون قوما؟ قال عكرمة : فقلت جعلني الله فداك ، ألا ترى أنهم كرهوا ما هم عليه وخالفوهم وقالوا ، لم تعظون قوما الله مهلكهم ، فلم أزل به حتى عرفته أنهم قد نجوا. وعن الحسن : نجت فرقتان وهلكت فرقة ، وهم الذين أخذوا الحيتان. وروى أنّ اليهود أُمروا باليوم الذين أُمرنا به وهو يوم الجمعة ، فتركوه واختاروا يوم السبت ، فابتلوا به وحرّم عليهم فيه الصيد ، وأمروا بتعظيمه ، فكانت الحيتان تأتيهم يوم السبت شرعا بيضا سمانا كأنها المخاض ، لا يرى الماء من كثرتها ، ويوم لا يستبون لا تأتيهم ، فكانوا كذلك برهة من الدهر ، ثم جاءهم إبليس فقال لهم : إنما نهيتم عن أخذها يوم السبت فاتخذوا حياضا تسوقون الحيتان إليها يوم السبت ، فلا تقدر على الخروج منها. وتأخذونها يوم الأحد ، وأخذ رجل منهم حوتا وربط في ذنبه خيطا إلى خشبة في الساحل ، ثم شواه يوم الأحد ، فوجد جاره ريح السمك فتطلع في تنوره فقال له : إنى أرى الله سيعذبك ، فلما لم يره عذب أخذ في السبت القابل حوتين ، فلما رأوا أنّ العذاب لا يعاجلهم ، صادوا وأكلوا وملحوا وباعوا ، وكانوا نحوا من سبعين ألفاً ، فصار أهل القرية أثلاثا ، ثلث نهوا وكانوا نحواً من اثنى عشر ألفاً ، وثلث قالوا : لم تعظون قوما؟ وثلث هم أصحاب الخطيئة. فلما لم ينتهوا قال المسلمون : إنا لا نساكنكم ، فقسموا القرية بجدار : للمسلمين باب ، وللمعتدين باب. ولعنهم داود عليه السلام ، فأصبح الناهون ذات يوم في مجالسهم ولم يخرج من المعتدين أحد ، فقالوا : إن للناس شأنا ، فعلوا الجدار فنظروا فإذا هم قردة ، ففتحوا الباب ودخلوا عليهم فعرفت القرود أنسباءها من الإنس ، والإنس لا يعرفون أنسباءهم من القرود ، فجعل القرد يأتى نسيبه فيشم ثيابه ويبكى ، فيقول : ألم ننهك فيقول برأسه : بلى. وقيل : صار الشباب قردة ، والشيوخ خنازير. وعن الحسن : أكلوا والله أو خم أكلة أكلها أهلها ، أثقلها خزيا في الدنيا وأطولها عذابا في الآخرة ، هاه وايم الله ، ماحوت أخذه قوم فأكلوه أعظم عند الله من قتل رجل مسلم. ولكن الله جعل موعدا ، والساعة أدعى وأمرّ (بَئِيسٍ) شديد. يقال : بؤس يبؤس بأسا ، إذا اشتدّ ، فهو بئيس. وقرئ : بئس ، بوزن حَذِر. وبئس على تخفيف العين ونقل حركتها إلى الفاء ، كما يقال : كبد في كبد. وبيس على قلب الهمزة ياء ، كذيب في ذئب ، وبيئس على فيعل ، بكسر الهمزة وفتحها. وبيس ، بوزن ريس ، على قلب همزة بيئس ياء وإدغام الياء فيها ،