أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ (١٧٢) أَوْ تَقُولُوا إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ (١٧٣) وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)(١٧٤)
(مِنْ ظُهُورِهِمْ) بدل من بنى آدم بدل البعض من الكل. ومعنى أخذ ذرّياتهم من ظهورهم : إخراجهم من أصلابهم نسلا وإشهادهم على أنفسهم. وقوله (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟ قالُوا : بَلى شَهِدْنا) من باب التمثيل والتخييل (١)! ومعنى ذلك أنه نصب لهم الأدلة على ربوبيته ووحدانيته ، وشهدت بها عقولهم وبصائرهم التي ركبها فيهم وجعلها مميزة بين الضلالة والهدى ، فكأنه أشهدهم على أنفسهم وقررهم وقال لهم : ألست بربكم؟ وكأنهم قالوا : بلى أنت ربنا ، شهدنا على أنفسنا وأقررنا بوحدانيتك. وباب التمثيل واسع في كلام الله تعالى ورسوله عليه السلام ، وفي كلام العرب. ونظيره قوله تعالى (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) ، (فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ) وقوله :
إذْ قَالَتِ الأَنْسَاعُ لِلْبَطْنِ الْحَقِ (٢)
***
قَالَتْ لَهُ رِيحُ الصَّبَا قَرْقَارِ (٣)
__________________
(١) قال محمود : «هذا من باب التمثيل والتخييل ... الخ» قال أحمد : إطلاق التمثيل أحسن ، وقد ورد الشرع به. وأما إطلاقه التخييل على كلام الله تعالى فمردود ، ولم يرد به سمع ، وقد كثر إنكارنا عليه لهذه اللفظة. ثم إن القاعدة مستقرة على أن الظاهر ما لم يخالف المعقول يجب إقراره على ما هو عليه ، فلذلك أقره الأكثرون على ظاهره وحقيقته ولم يجعلوه مثالا. وأما كيفية الإخراج والمخاطبة فالله أعلم بذلك.
(٢) مر شرح هذا الشاهد بالجزء الأول ص ١٨١ فراجعه هناك إن شئت اه مصححه.
(٣) قالت له ريح الصبا قرقار |
|
واختلط المعروف بالإنكار |
لأبى النجم العجلى. و «قرقار» اسم فعل بمعنى قرقر : أمر للسحاب لتنزيله منزلة العاقل ، أى : صوت بالرعد. هذا قول سيبويه. وقال المبرد تبعاً للمازنى : هو حكاية صوت الرعد ، وهو على كل مبنى على الكسر على أصل التخلص من التقاء الساكنين ، لكنه على الأول متحمل للضمير ، فهو مركب. وعلى الثاني : لا ضمير فيه ، فهو مفرد ، لكن فيه أن حكاية الأصوات لا تفيد حثا ولا زجراً. وهنا يفيد الحث لقرينة المقام ولا فعل لها ، وهذا له فعل. يقال : قرقرت الدجاجة إذا صوتت ، إلا أن يقال إن المعنى : صوت يا رعد قرقار. وقولهم. قرقرت الدجاجة ، مأخوذ من قرقار ، كما أخذوا العياط من عيط بكسرتين بينهما سكون ، حكاية لصوت المتلاعبين. واختلط يحتمل أنه أمر وهو أنسب بما قبله. ويحتمل أنه ماض. والمراد بالإنكار المنكر ، ولا قول للريح. وإنما شبهها حيث تسوق السحاب بمن يصح منه القول ، على طريق المكنية والقول تخييل. ويجوز