ومعلوم أنه لا قول ثم ، وإنما هو تمثيل وتصوير للمعنى (أَنْ تَقُولُوا) مفعول له ، أى فعلنا ذلك من نصب الأدلة الشاهدة على صحتها العقول ، كراهة (أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ) لم ننبه عليه (أَوْ) كراهة أن (تَقُولُوا إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ) فاقتدينا بهم ، لأن نصب الأدلة على التوحيد وما نبهوا عليه قائم معهم ، فلا عذر لهم في الإعراض عنه والإقبال على التقليد والاقتداء بالآباء. كما لا عذر لآبائهم في الشرك ـ وأدلة التوحيد منصوبة لهم ـ فإن قلت : بنو آدم وذرّياتهم من هم (١)؟ قلت : عنى ببني آدم : أسلاف اليهود الذين أشركوا بالله ، حيث قالوا : عزير ابن الله. وبذرّياتهم : الذين كانوا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من أخلافهم المقتدين بآبائهم. والدليل على أنها في المشركين وأولادهم : قوله (أَوْ تَقُولُوا إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ) والدليل على أنها في اليهود : الآيات التي عطفت عليها هي ، والتي عطفت عليها وهي على نمطها وأسلوبها ، وذلك قوله (وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ) ، (إِذْ قالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ) ، (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ) ، (وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ) ، (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا). (أَفَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ) أى كانوا السبب في شركنا ، لتأسيسهم الشرك ، وتقدّمهم فيه ، وتركه سنة لنا (وَكَذلِكَ) ومثل ذلك التفصيل البليغ (نُفَصِّلُ الْآياتِ) لهم (وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) وإرادة أن يرجعوا عن شركهم نفصلها. وقرئ : ذريتهم ، على التوحيد. وأن يقولوا : بالياء.
(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ (١٧٥) وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)(١٧٦)
__________________
أن يستعار القول لصوب السحاب ، على طريق التصريح. ويجوز أنه من باب الكناية. وعلى هذا النحو قوله في ناقة صالح : فأتاها أحيمر كأخى السهم بغضب ، فقال كوني عقيراً. وصرف الممنوع الضرورة. وأضاف الملقى لغير الملقى ، ليدل على الملازمة لوجه شبه العاقر بالمبهم. أى قالت الصبا للسحب : قرقر بالرعد. واختلط الأماكن التي اعتدت سقيها بالتي كنت لا تبلغها بالسقى ، أى سو بين الجميع فيه. ويحتمل أن المعروف المطر والمنكر الرعد والبرق والصواعق ، أى افعل الجميع على أنه ماض ، فهو عطف على قالت. وليس من قول الريح. وعليه فيجوز أيضاً رفع المعروف ، ويكون الفعل لازما. وهذا البيت من أبيات الكتاب.
(١) عاد كلامه. قال : «فان قلت بنو آدم وذرياتهم من هم ... الخ»؟ قال أحمد : والأظهر أنها شاملة لجملة بنى آدم فتدخل اليهود في عمومها ، لأن كل واحد من بنى آدم يصدق عليه الأمران جميعاً أنه ابن آدم وأنه ذريته ، ولا يخرج من هذا إلا آدم عليه السلام ، وإنما لم يذكر لظهوره ، ولا يخلو الكلام عن النوع المسمى في فن البلاغة باللف اختصاراً وإيجازاً.