فصفوه بها ، وذروا الذين يلحدون (١) في أوصافه فيصفونه بمشيئة القبائح وخلق الفحشاء والمنكر وبما يدخل في التشبيه كالرؤية ونحوها وقيل : إلحادهم في أسمائه : تسميتهم (٢) الأصنام آلهة ، واشتقاقهم اللات من الله ، والعزى من العزيز.
(وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ)(١٨١)
لما قال (وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً) فأخبر أنّ كثيراً من الثقلين عاملون بأعمال أهل النار ، أتبعه قوله (وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِ) وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول إذا قرأها «هذه لكم ، وقد أعطى القوم بين أيديكم مثلها (٣)» (وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِ) وعنه صلى الله عليه وسلم «إنّ من أمتى قوما على الحق حتى ينزل عيسى عليه السلام (٤)» وعن الكلبي : هم الذين آمنوا من أهل الكتاب. وقيل : هم العلماء والدعاة إلى الدين.
(وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ (١٨٢) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (١٨٣) أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ مُبِينٌ (١٨٤) أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ)(١٨٥)
__________________
ـ قضائه عدل ، وانه لا يجب عليه رعاية ما يتوهمه الخلق مصلحة بعقولهم ، وأن وعده الصدق وقوله الحق ، وقد وعد رؤيته فوجب وقوعها ، إلى غير ذلك من أوصافه الجليلة ، وذروا الذين يلحدون في أوصافه فيجحدونها ، ثم يزعمون أنه لا تشمل قدرته المخلوقات ، بل هي مقسومة بينه وبين عباده ، ويوجبون عليه رعاية ما يتوهمونه مصلحة ، ويحجرون واسعاً من مغفرته وعفوه وكرمه على الخطائين من موحديه ، إلى غير ذلك من الإلحاد المعروف بالطائفة المتلقبين عدلية ، المزكين لأنفسهم وهو أعلم بمن اتقى.
(١) قوله «وذر الذين يلحدون» يريد أهل السنة القائلين : كل كائن فهو مراد ومخلوق له تعالى ولو شرا ، وتجوز رؤيته ، خلافا للمعتزلة في كل ذلك ، كما تقرر في محله. (ع)
(٢) قال محمود : «وقيل إلحادهم في أسمائه : تسميتهم ... الخ» قال أحمد : وهذا تفسير حسن ملائم ، والله أعلم.
(٣) ذكره الثعلبي عن قتادة وابن جريج. وإسناده إليها مذكور في أول كتابه.
(٤) ذكره الثعلبي عن الربيع بن أنس ، وإسناده إليه في أول كتابه. رواه أحمد من حديث عمران بن حصين بلفظ «لا تزال طائفة من أمتى على الحق حتى يأتى أمر الله ، وينزل عيسى ابن مريم» وفي تاريخ البخاري عن عبد الطغاوى عن جابر نحوه ، ورواه أبو يعلى من وجه آخر ، وزاد «فيقول إمامهم : تقدم يا روح الله فيقول : أنتم أحق أمر كرم به هذه الأمة».