الاستدراج : استفعال من الدرجة بمعنى الاستصعاد ، أو الاستنزال درجة بعد درجة. قال الأعشى :
فلو كنت في جبّ ثمانين قامة |
|
ورقيت أسباب السّماء بسلّم |
ليستدر جنك القول حتّى تهرّه |
|
وتعلم أنّى عنكم غير مفحم (١) |
ومنه : درج الصبى إذا قارب بين خطاه. وأدرج الكتاب : طواه شيئاً بعد شيء. ودرج القوم : مات بعضهم في أثر بعض. ومعنى (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ) سنستدنيهم قليلا قليلا إلى ما يهلكهم ويضاعف عقابهم (مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ) ما يراد بهم. وذلك أن يواتر الله نعمه عليهم مع انهماكهم في الغىّ ، فكلما جدّد عليهم نعمة ازدادوا بطراً وجدّدوا معصية ، فيتدرّجون في المعاصي بسبب ترادف النعم ، ظانين أنّ مواترة النعم أثرة من الله وتقريب ، وإنما هي خذلان منه وتبعيد ، فهو استدراج الله تعالى ، نعوذ بالله منه (وَأُمْلِي لَهُمْ) عطف على (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ) وهو داخل في حكم السين (إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) سماه كيداً لأنه شبيه بالكيد ، من حيث أنه في الظاهر إحسان وفي الحقيقة خذلان (ما بِصاحِبِهِمْ) بمحمد صلى الله عليه وسلم (مِنْ جِنَّةٍ) من جنون ، وكانوا يقولون شاعر مجنون. وعن قتادة أنّ النبي صلى الله عليه وسلم علا الصفا فدعاهم فخذاً فخذاً يحذرهم بأس الله ، فقال قائلهم : إن صاحبكم هذا لمجنون ، بات يهوّت (٢) إلى الصباح (٣) (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا) نظر استدلال (فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) فيما تدلان عليه من عظم الملك. والملكوت : الملك العظيم (وَما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ) وفيما خلق الله مما يقع عليه اسم الشيء ، من أجناس لا يحصرها العدد ولا يحيط بها الوصف (وَأَنْ عَسى) أن مخففة من الثقيلة ، والأصل : وأنه عسى ، على أن الضمير ضمير الشأن. والمعنى : أو لم ينظروا في أن الشأن والحديث عسى (أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ) ولعلهم يموتون عما قريب ، فيسارعوا إلى النظر وطلب الحق وما ينجيهم. قبل مغافصة الأجل (٤) وحلول العقاب. ويجوز أن يراد باقتراب الأجل : اقتراب الساعة ، ويكون من «كان» التي فيها ضمير الشأن. فإن قلت : بم يتعلق قوله (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ)؟ قلت : بقوله (عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ) كأنه قيل : لعلّ أجلهم قد اقترب ، فما لهم لا يبادرون إلى الإيمان
__________________
(١) مر شرح هذا الشاهد بالجزء الأول صفحة ٣٩٥ فراجعه إن شئت اه مصححه.
(٢) قوله «بات يهوت» أى يضيح. (ع)
(٣) أخرجه الطبري بإسناد صحيح إلى قتادة قال «ذكر لنا ـ فذكره. فأنزل الله (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ) الآية
(٤) قوله «قبل مغافصة الأجل» أى أخذه إياهم على حين غفلة. اه من الصحاح. (ع)