الأمور (١) وأن لا تلقوا ما يرزؤكم في أبدانكم وأحوالكم (٢) والله عز وجلّ يريد معالى الأمور ، وما يرجع إلى عمارة الدين ، ونصرة الحق ، وعلوّ الكلمة ، والفوز في الدارين. وشتان ما بين المرادين. ولذلك اختار لكم الطائفة ذات الشوكة ، وكسر قوّتهم بضعفكم ، وغلب كثرتهم بقلتكم ، وأعزّكم وأذلهم ، وحصل لكم مالا تعارض أدناه العير وما فيها. وقرئ : بكلمته ، على التوحيد.
(لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ)(٨)
فإن قلت : بم يتعلق قوله (لِيُحِقَّ الْحَقَ)؟ قلت : بمحذوف تقديره : ليحق الحق ويبطل الباطل فعل ذلك ، ما فعله إلا لهما. وهو إثبات الإسلام وإظهاره ، وإبطال الكفر ومحقه. فإن قلت : أليس هذا تكريراً؟ قلت : لا ، لأنّ المعنيين متباينان ، وذلك أنّ الأوّل تمييز بين الإرادتين وهذا بيان لغرضه فيما فعل من اختيار ذات الشوكة على غيرها لهم ونصرتهم عليها ، وأنه ما نصرهم ولا خذل أولئك إلا لهذا الغرض الذي هو سيد الأغراض. ويجب أن يقدّر المحذوف متأخراً حتى يفيد معنى الاختصاص فينطبق عليه المعنى : وقيل : قد تعلق بيقطع.
(إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ)(٩)
فإن قلت : بم يتعلق (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ)؟ قلت : هو بدل من (إِذْ يَعِدُكُمُ) وقيل بقوله (لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ) واستغاثتهم أنهم لما علموا أنه لا بدّ من القتال ، طفقوا يدعون الله ويقولون : أى ربنا انصرنا على عدوّك ، يا غياث المستغيثين أغثنا. وعن عمر رضى الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر إلى المشركين وهم ألف ، وإلى أصحابه وهم ثلاثمائة ، فاستقبل القبلة ومدّ يديه يدعو : اللهم أنجز لي ما وعدتني ، اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض ـ فما زال كذلك حتى سقط رداؤه فأخذه أبو بكر رضى الله عنه فألقاه على منكبه والتزمه من ورائه ، وقال : يا نبى الله كفاك مناشدتك ربك ، فإنه سينجز لك ما وعدك (٣) (أَنِّي
__________________
(١) قال محمود : «يعنى أنكم تريدون العاجلة وسفاسف الأمور ... الخ» قال أحمد : والتحقيق في التمييز بين الكلامين أن الأول ذكر الارادة فيه مطلقة غير مقيدة بالواقعة الخاصة ، كأنه قيل : وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم ، ومن شأن الله تعالى إرادة تحقيق الحق وتمحيق الكفر على الإطلاق ، ولإرادته أن يحق الحق ويبطل الباطل خصكم بذات الشوكة ، فبين الكلامين عموم وخصوص ، وإطلاق وتقييد. وفي ذلك مالا يخفى من المبالغة في تأكيد المعنى بذكره على وجهين : إطلاق ، وتقييد. والله أعلم.
(٢) قوله «وأحوالكم» لعله وأموالكم. (ع)
(٣) أخرجه مسلم من روآية ابن عباس عن عمر رضى الله عنه.