مُمِدُّكُمْ) أصله بأنى ممدكم ، فحذف الجار وسلط عليه استجاب فنصب محله. وعن أبى عمرو أنه قرأ (أَنِّي مُمِدُّكُمْ) بالكسر ، على ارادة القول ، أو على إجراء استجاب مجرى «قال» لأنّ الاستجابة من القول. فإن قلت : هل قاتلت الملائكة يوم بدر؟ قلت : اختلف فيه ، فقيل : نزل جبريل في يوم بدر في خمسمائة ملك على الميمنة وفيها أبو بكر ، وميكائيل في خمسمائة على الميسرة وفيها علىّ بن أبى طالب في صور الرجال ، عليهم ثياب بيض وعمائم بيض وقد أرخوا أذنابها بين أكتافهم. فقالت. وقيل : قاتلت يوم بدر ولم تقاتل يوم الأحزاب ويوم حنين. وعن أبى جهل أنه قال لابن مسعود : من أين كان ذلك الصوت الذي كنا نسمع ولا نرى شخصا؟ قال : من الملائكة ، فقال أبو جهل : هم غلبونا لا أنتم. وروى أنّ رجلا من المسلمين بينما هو يشتد في أثر رجل من المشركين : إذ سمع صوت ضربة بالسوط فوقه ، فنظر إلى المشرك قد خر مستلقيا وشقّ وجهه ، فحدث الأنصارى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : صدقت ذاك من مدد السماء (١). وعن أبى داود المازني : تبعت رجلا من المشركين لأضربه يوم بدر فوقع رأسه بين يدي قبل أن يصل إليه (٢) سيفي ، وقيل لم يقاتلوا وإنما كانوا يكثرون السواد ويثبتون المؤمنين ، وإلا فملك واحد كاف في إهلاك أهل الدنيا كلهم ، فإنّ جبريل عليه السلام أهلك بريشة من جناحه مدائن قوم لوط ، وأهلك بلاد ثمود قوم صالح بصيحة واحدة. وقرئ (مُرْدِفِينَ) بكسر الدال وفتحها ، من قولك : ردفه إذا تبعه. ومنه قوله تعالى (رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ) بمعنى ردفكم. وأردفته إياه : إذا أتبعته. ويقال : أردفته ، كقولك أتبعته ، إذا جئت بعده ، فلا يخلو المكسور الدال من أن يكون بمعنى متبعين ، أو متبعين ، فإن كان بمعنى متبعين (٣) فلا يخلو من أن يكون بمعنى : متبعين بعضهم بعضاً ، أو متبعين بعضهم لبعض ، أو بمعنى : متبعين إياهم المؤمنين ، أى يتقدمونهم فيتبعونهم أنفسهم ، أو متبعين لهم يشيعونهم ويقدمونهم بين أيديهم وهم على ساقتهم ، ليكونوا على أعينهم وحفظهم. أو بمعنى متبعين أنفسهم ملائكة آخرين ، أو متبعين غيرهم من الملائكة : ويعضد هذا الوجه قوله تعالى في سورة آل عمران (بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ). (بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ) ومن قرأ (مُرْدِفِينَ) بالفتح فهو بمعنى متبعين أو متبعين. وقرئ : مردّفين ، بكسر الراء وضمها وتشديد الدال : وأصله مرتدفين ، أى مترادفين أو متبعين ، من ارتدفه ، فأدغمت تاء الافتعال
__________________
(١) هذا طرف من حديث ابن عباس رضى الله عنهما في الذي قبله.
(٢) أخرجه ابن إسحاق في المغازي : حدثني أبى عن رجال من بنى مازن عن أبى داود المازني ـ فذكره ، ومن طريقه أخرجه إسحاق والطبري وغيرهما.
(٣) قوله «فان كان بمعنى متبعين» يقرأ هذا بالتسكين ، ولم يذكر مقابله وهو ما كان بمعنى متبعين بالتشديد. (ع)