(مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ (١٥) أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ)(١٦)
(نُوَفِّ إِلَيْهِمْ) نوصل إليهم أجور أعمالهم وافية كاملة من غير بخس في الدنيا ، وهو ما يرزقون فيها من الصحة والرزق. وقيل : هم أهل الرياء. يقال للقراء منهم : أردت أن يقال : فلان قارئ ، فقد قيل ذلك. ولمن وصل الرحمن وتصدّق : فعلت حتى يقال ، فقيل. ولمن قاتل فقتل : قاتلت حتى يقال فلان جريء ، فقد قيل : وعن أنس بن مالك : هم اليهود والنصارى ، إن أعطوا سائلا أو وصلوا رحماً ، عجل لهم جزاء ذلك بتوسعة في الرزق وصحة في البدن. وقيل : هم الذين جاهدوا من المنافقين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسهم لهم في الغنائم. وقرئ : يوفّ ، بالياء على أن الفعل لله عزّ وجلّ. وتوفَّ إليهم أعمالهم بالتاء ، على البناء للمفعول. وفي قراءة الحسن : نوفى ، بالتخفيف وإثبات الياء ، لأنّ الشرط وقع ماضياً ، كقوله :
يَقُولُ لَا غائِبٌ مَالِى وَلَا حَرِمُ (١)
(وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها) وحبط في الآخرة ما صنعوه ، أو صنيعهم ، يعنى : لم يكن له ثواب لأنهم لم يريدوا به الآخرة ، إنما أرادوا به الدنيا ، وقد وفي إليهم ما أرادوا (وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) أى كان عملهم في نفسه باطلا ، لأنه لم يعمل لوجه صحيح ، والعمل الباطل لا ثواب له. وقرئ : وبطل على الفعل. وعن عاصم : وباطلا بالنصب ، وفيه وجهان : أن تكون ما إبهامية وينتصب بيعملون ، ومعناه : وباطلا ، أىّ باطل كانوا يعملون. وأن تكون بمعنى المصدر على : وبطل بطلاناً ما كانوا يعملون.
(أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ)(١٧)
(أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ) معناه : أمّن كان يريد الحياة الدنيا فمن كان على بينة (٢) أى لا يعقبونهم في المنزلة
__________________
(١) مر شرح هذا الشاهد بالجزء الأول صفحة ٥٣٧ فراجعه إن شئت. اه مصححه.
(٢) قوله «فمن كان على بينة» عبارة النسفي : كمن كان يريد ... الخ. (ع)