(وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ) واطمأنوا إليه وانقطعوا إلى عبادته بالخشوع والتواضع من الخبت وهي الأرض المطمئنة. ومنه قولهم للشيء : الدنىء الخبيت. قال :
يَنْفَعُ الطَّيِّبُ الْقَلِيلُ مِنَ الرِّزْ |
|
قِ وَلَا يَنْفَعُ الْكَثِيرُ الْخَبِيتُ (١) |
وقيل : التاء فيه بدل من الثاء.
(مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً أَفَلا تَذَكَّرُون)(٢٤)
شبه فريق الكافرين بالأعمى والأصم ، وفريق المؤمنين بالبصير والسميع (٢) وهو من اللف والطباق. وفيه معنيان : أن يشبه الفريق تشبيهين اثنين ، كما شبه امرؤ القيس قلوب الطير بالحشف والعناب ، وأن يشبهه بالذي جمع بين العمى والصمم ، أو الذي جمع بين البصر والسمع (٣). على أن تكون الواو في (وَالْأَصَمِ) وفي (وَالسَّمِيعِ) لعطف الصفة على الصفة ، كقوله :
الصَّابِحِ فَالْغَانِمِ فَالآيِبِ (٤)
(هَلْ يَسْتَوِيانِ) يعنى الفريقين (مَثَلاً) تشبيهاً.
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٢٥) أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلاَّ اللهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ)(٢٦)
أى أرسلنا نوحاً بأنى لكم نذير. ومعناه أرسلناه ملتبساً بهذا الكلام ، وهو قوله (إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ) بالكسر ، فلما اتصل به الجارّ فتح كما فتح في (كَأَنْ) والمعنى على الكسر ،
__________________
(١) مر شرح هذا الشاهد بالجزء الأول ص ٥٤٣ فراجعه إن شئت اه مصححه.
(٢) قال محمود : «شبه فريق الكافرين بالأعمى والأصم ، وفريق المؤمنين بالبصير والسميع إلى قوله أن تكون الواو ... الخ» قال أحمد : بخلافها على الوجه الأول ، فإنها لعطف الموصوف على الموصوف. وأما تنظيره الآية بتشبيه امرئ القيس في كونه شبه تشبيهين اثنين ففيه نظر. فان امرأ القيس شبه كل واحد من الرطب واليابس تشبيهاً واحداً ، والآية على التفسير الأول شبهت كل واحد من الكافر والمؤمن تشبيهين ، وإنما ينظر ببيت امرئ القيس على الوجه الثاني ، فان مقتضاه أن كل واحد منهما شبه تشبيهاً واحداً ، ولكن في صفتين متعددتين ، والأمر في ذلك قريب ، والله أعلم.
(٣) قوله «أو الذي جمع بين البصر والسمع» لعله : والذي. (ع)
(٤) مر شرح هذا الشاهد بالجزء الأول ص ٤١ فراجعه إن شئت اه مصححه.