وهو قولك : إنّ زيدا كالأسد. وقرئ بالكسر على إرادة القول (أَنْ لا تَعْبُدُوا) بدل من (إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ) أى أرسلناه بأن لا تعبدوا (إِلَّا اللهَ) أو تكون «أن» مفسرة متعلقة بأرسلنا أو بنذير. وصف اليوم بأليم من الإسناد المجازى لوقوع الألم فيه. فإن قلت : فإذا وصف به العذاب؟ قلت : مجازى مثله ، لأنّ الأليم في الحقيقة هو المعذب ، ونظيرهما قولك : نهارك صائم ، وجدّ جدّه.
(فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما نَراكَ إِلاَّ بَشَراً مِثْلَنا وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ)(٢٧)
(الْمَلَأُ) الأشراف من قولهم : فلان مليء بكذا ، إذا كان مطيقاً له ، وقد ملؤوا بالأمر ، لأنهم ملؤوا بكفايات الأمور واضطلعوا بها وبتدبيرها. أو لأنهم يتمالئون أى يتظاهرون ويتساندون ، أو لأنهم يملئون القلوب هيبة والمجالس أبهة (١) أو لأنهم ملاء بالأحلام والآراء الصائبة (ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا) تعريض بأنهم أحق منه بالنبوة (٢) وأنّ الله لو أراد أن يجعلها في أحد من البشر لجعلها فيهم ، فقالوا : هب أنك واحد من الملأ ومواز لهم في المنزلة ، فما جعلك أحق منهم؟ ألا ترى إلى قولهم : وما نرى لكم علينا من فضل. أو أرادوا أنه كان ينبغي أن يكون ملكا لا بشر. والأراذل جمع الأرذل ، كقوله (أَكابِرَ مُجْرِمِيها) «أحاسنكم أخلاقاً» وقرئ : بادى الرأى ، بالهمز وغير الهمز ، بمعنى : اتبعوك أوّل الرأى أو ظاهر الرأى ، وانتصابه على الظرف ، أصله : وقت حدوث أوّل رأيهم ، أو وقت حدوث ظاهر رأيهم فحذف ذلك وأقيم المضاف إليه مقامه. أرادوا : أنّ اتباعهم لك إنما هو شيء عنّ لهم بديهة من غير روية ونظر ، وإنما استرذلوا المؤمنين لفقرهم وتأخرهم في الأسباب الدنيوية ، لأنهم كانوا جهالا ما كانوا يعلمون إلا ظاهراً من الحياة الدنيا ، فكان الأشرف عندهم من له جاه ومال ، كما ترى أكثر المتسمين بالإسلام يعتقدون ذلك ويبنون عليه إكرامهم وإهانتهم ، ولقد زلّ عنهم
__________________
(١) قوله «والمجالس أبهة» كسكرة : عظمة. (ع)
(٢) قال محمود : «هو تعريض بأنهم كانوا أحق منه بالنبوة ... الخ» قال أحمد : ويحتمل في الوجهين أن يكون المراد أول الرأى. ولكنه ترك الهمز استثقالا ، إلا أن يكون القارئ بها ياء ليس من مذهبه تسهيل الهمز ، والمعنيان متقاربان ، وقد زعم هؤلاء أن يحجوا نوحا بمن اتبعه من وجهين ، أحدهما : أن المتبعين أراذل ليسوا قدوة ولا أسوة. والثاني : أنهم مع ذلك لم يترووا في اتباعه. ولا أمعنوا الفكرة في صحة ما جاء به ، وإنما بادروا إلى ذلك من غير فكرة ولا روية. وغرض هؤلاء أن لا يقوم عليهم حجة بأن منهم من صدقه وآمن به ، والله أعلم