(وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقالَ هذا يَوْمٌ عَصِيبٌ)(٧٧)
كانت مساءة لوط وضيق ذرعه (١) لأنه حسب أنهم إنس ، فخاف عليهم خبث قومه وأن يعجز عن مقاومتهم ومدافعتهم. روى أنّ الله تعالى قال لهم : لا تهلكوهم حتى يشهد عليهم لوط أربع شهادات ، فلما مشى معهم منطلقاً بهم إلى منزله قال لهم : أما بلغكم أمر هذه القرية؟ قالوا : وما أمرهم؟ قال : أشهد بالله إنها لشر قرية في الأرض عملا ، يقول ذلك أربع مرات ، فدخلوا معه منزله ولم يعلم بذلك أحد ، فخرجت امرأته فأخبرت بهم قومها. يقال : يوم عصيب ، وعصبصب ، إذا كان شديداً من قولك : عصبه ، إذا شدّه.
(وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ قالَ يا قَوْمِ هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ (٧٨) قالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ ما نُرِيد)(٧٩)
(يُهْرَعُونَ) يسرعون كأنما يدفعون دفعاً (وَمِنْ قَبْلُ كانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ) ومن قبل ذلك الوقت كانوا يعملون الفواحش ويكثرونها ، فضروا بها ومرنوا عليها وقل عندهم استقباحها ، فلذلك جاءوا يهرعون مجاهرين لا يكفهم حياء. وقيل معناه : وقد عرف لوط عادتهم في عمل الفواحش قبل ذلك (هؤُلاءِ بَناتِي) أراد أن يقي أضيافه ببناته ، وذلك غاية الكرم ، وأراد : هؤلاء بناتي فتزوّجوهنّ وكان تزويج المسلمات من الكفار جائزاً ، كما زوّج رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنتيه من عتبة بن أبى لهب وأبى العاص بن وائل قبل الوحى وهما كافران (٢)
__________________
(١) قوله «وضيق ذرعه» في الصحاح : يقال ضقت بالأمر ذرعا ، إذا لم تطقه ولم تقو عليه. وأصل الذرع إنما هو بسط اليد ، فكأنك تريد : مددت يدي إليه فلم تنله. (ع)
(٢) قلت : قوله «أبو العاص بن وائل» غلط فاحش وإنما هو أبو العاص بن الربيع ، ليس في نسبته من اسمه وائل. وكأنه انتقل ذهنه إلى العاص بن وائل السهمي والد عمرو ، وليس له في هذه القضية مدخل ، وأما قصة تزويج أبى العاص بن الربيع بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكذا عتبة بن أبى لهب فذكرها ابن إسحاق في المغازي والطبراني من طريقه قال : كان أبو العاص بن الربيع من رجال مكة مالا وأمانة وكانت خديجة خالته. فسألت خديجة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يزوجه بزينب وكان لا يخالفها. وذلك قبل أن ينزل عليه فلما أكرم الله نبيه صلى الله عليه وسلم بالنبوة آمنت خديجة وبناته وثبت أبو العاص على شركه. قال : وكان ـ