وقيل كان لهم سيدان مطاعان ، فأراد أن يزوجهما ابنتيه : وقرأ ابن مروان : هنّ أطهر لكم ، بالنصب ، وضعفه سيبويه وقال : احتبى ابن مروان في لحنه. وعن أبى عمرو بن العلاء : من قرأ (هُنَّ أَطْهَرُ) بالنصب فقد تربع في لحنه ، وذلك أنّ انتصابه على أن يجعل حالا قد عمل فيها ما في هؤلاء من معنى الفعل ، كقوله (هذا بَعْلِي شَيْخاً) أو ينصب هؤلاء بفعل مضمر ، كأنه قيل : خذوا هؤلاء ، وبناتي : بدل ، ويعمل هذا المضمر في الحال ، و (هُنَ) فصل ، وهذا لا يجوز لأنّ الفصل مختص بالوقوع بين جزأى الجملة ، ولا يقع بين الحال وذى الحال ، وقد خرّج له وجه لا يكون (هُنَ) فيه فصلا ، وذلك أن يكون هؤلاء مبتدأ و (بَناتِي هُنَ) جملة في موضع خبر المبتدإ ، كقولك : هذا أخى هو ، ويكون (أَطْهَرُ) حالا (فَاتَّقُوا اللهَ) بإيثارهنّ عليهم (وَلا تُخْزُونِ) ولا تهينونى ولا تفضحوني ، من الخزي. أو ولا تخجلوني ، من الخزاية وهي الحياء (فِي ضَيْفِي) في حق ضيوفى فإنه إذا خزى ضيف الرجل أو جاره فقد خزى الرجل ، وذلك من عراقة الكرم وأصالة المروءة (أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ) رجل واحد يهتدى إلى سبيل الحق وفعل الجميل ، والكف عن السوء. وقرئ : ولا تخزون ، بطرح الياء. ويجوز أن يكون عرض البنات عليهم مبالغة في تواضعه لهم وإظهاراً لشدّة امتعاضه (١) مما أوردوا عليه ، طمعاً في أن يستحيوا منه ويرقوا له إذا سمعوا ذلك ، فيتركوا له ضيوفه مع ظهور الأمر واستقرار العلم عنده وعندهم أن لا مناكحة بينه وبينهم ، ومن ثمّ (قالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ) مستشهدين بعلمه (ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍ) لأنك لا ترى مناكحتنا ، وما هو إلا عرض سابرىّ (٢). وقيل : لما اتخذوا إتيان الذكران مذهبا ودينا لتواطؤهم عليه ، كان عندهم أنه هو الحق ، وأنّ نكاح الإناث من الباطل ، فلذلك قالوا : ما لنا في بناتك من حق قط ، لأنّ نكاح الإناث أمر خارج من مذهبنا الذي نحن عليه. ويجوز أن يقولوه على وجه الخلاعة ، والغرض نفى الشهوة (لَتَعْلَمُ ما نُرِيدُ) عنوا إتيان الذكور وما لهم فيه من الشهوة.
(قالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ)(٨٠)
__________________
ـ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد زوج عتبة بن أبى لهب بنته رقية. فلما دعا قريشا إلى أمرين قال بعضهم لبعض : قد فرغتم محمدا من همه ببناته. فردوهن عليه فمشوا إلى أبى العاص. فأبى عليهم. ثم مشوا إلى عتبة بن أبى لهب. ففارق رقية. وزوجوه بنت سعيد بن العاص. فتزوجها بعده عثمان بن عفان. فذكر قصة أبى العاص وأسره ببدر» وروى البيهقي في الدلائل من طريق قتادة «أن النبي صلى الله عليه وسلم زوج ابنته أم كلثوم في الجاهلية عتبة ابن أبى لهب. ورقية أخاه. فلما جاء الإسلام أمر أبو لهب ولديه فطلقا البنتين.
(١) قوله «لشدة امتعاضه» امتعض من الأمر : غضب منه وشق عليه ، كذا في الصحاح. (ع)
(٢) قوله «وما هو إلا عرض سابري» عرض سابري بفتح العين : نوع من الثياب رقيق ، منسوب إلى سابور من الأكاسرة ، كذا بهامش. وفي الصحاح : عرضت له الشيء. أى أظهرته له وأبرزته إليه. يقال : عرضت له ثوبا مكان حقه. وفي المثل : عرض سابري ، لأنه ثوب جيد يشترى بأول عرض ولا يبالغ فيه. (ع)