أشدّ ولا أشقّ عليه من هذه الآية. ولهذا قال : شيبتني هود والواقعة وأخواتهما (١). وروى أنّ أصحابه قالوا له : لقد أسرع فيك الشيب. فقال : شيبتني هود. وعن بعضهم : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم فقلت له : روى عنك أنك قلت : شيبتني هود. فقال : نعم. فقلت : ما الذي شيبك منها؟ أقصص الأنبياء وهلاك الأمم؟ قال : لا ، ولكن قوله (فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ). وعن جعفر الصادق رضى الله عنه (فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ) قال : افتقرْ إلى الله بصحة العزم.
(وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِياءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ)(١١٣)
قرئ : ولا تركنوا ، بفتح الكاف وضمها مع فتح التاء. وعن أبى عمرو : بكسر التاء وفتح الكاف ، على لغة تميم في كسرهم حروف المضارعة إلا الياء في كل ما كان من باب علم يعلم. ونحوه قراءة من قرأ (فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ) بكسر التاء. وقرأ ابن أبى عبلة : ولا تركنوا ، على البناء للمفعول ، من أركنه إذا أماله ، والنهى متناول للانحطاط في هواهم ، والانقطاع إليهم ، ومصاحبتهم ومجالستهم وزيارتهم ومداهنتهم ، والرضا بأعمالهم ، والتشبه بهم ، والتزيي بزيهم ، ومدّ العين إلى زهرتهم. وذكرهم بما فيه تعظيم لهم. وتأمّل قوله (وَلا تَرْكَنُوا) فإن الركون هو الميل اليسير. وقوله (إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) أى إلى الذين وجد منهم الظلم ، ولم يقل إلى الظالمين. وحكى أنّ الموفق صلى خلف الإمام فقرأ بهذه الآية فغشى عليه ، فلما أفاق قيل له ، فقال : هذا فيمن ركن إلى من ظلم ، فكيف بالظالم. وعن الحسن رحمه الله : جعل الله الدين بين لاءين : (وَلا تَطْغَوْا) ، (وَلا تَرْكَنُوا) ولما خالط الزهري السلاطين كتب إليه أخ له في الدين : عافانا الله وإياك أبا بكر من الفتن ، فقد أصبحت بحال ينبغي لمن عرفك أن يدعو لك الله ويرحمك : أصبحت شيخاً كبيراً وقد أثقلتك نعم الله بما فهمك الله من كتابه وعلمك من سنة نبيه ، وليس كذلك أخذ الله الميثاق على العلماء ، قال الله سبحانه (لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ) واعلم أنّ أيسر ما ارتكبت وأخفّ
__________________
(١) وفي الترمذي من حديث شيبان عن أبى إسحاق عن عكرمه عن ابن عباس قال قال أبو بكر «يا رسول الله قد شبت ، قال : قد شيبتني هود والواقعة والمرسلات ، وعم يتساءلون. وإذا الشمس كورت» وقال حسن غريب.
وأخرجه البزار من هذا الوجه. وقال : اختلف فيه على أبى إسحاق ، فقال شيبان كذا. وقال على بن صالح : عن أبى إسحاق عن أبى حجية قال : وقال زكريا عن أبى إسحاق عن مسروق أن أبا بكر قال. وأطال الدارقطني في ذكر علله ـ واختلاف طرقه في أوائل كتاب العلل ـ ورواه البيهقي في الدلائل من رواية عطية بن سعيد قال قال عمر ابن الخطاب : يا رسول الله لقد أسرع إليك الشيب. فقال شيبتني هود وأخواتها : الواقعة ، وعم يتساءلون ، وإذا الشمس كورت» وأخرجه ابن سعد وابن عدى من رواية يزيد الرقاشي عن أنس. وفيه «الواقعة والقارعة وسأل وإذا الشمس كورت».