في البقرات السمان والعجاف والسنابل الخضر ، فوجب أن يتناول معنى الأخر السبع ، ويكون قوله (وَأُخَرَ يابِساتٍ) بمعنى وسبعاً أخر. فإن قلت : هل يجوز أن يعطف قوله (وَأُخَرَ يابِساتٍ) على (سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ) فيكون مجرور المحل؟ قلت : يؤدى إلى تدافع ، وهو أن عطفها على (سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ) يقتضى أن تدخل في حكمها فتكون معها مميزاً للسبع المذكورة ، ولفظ الأخر يقتضى أن تكون غير السبع ، بيانه : أنك تقول : عندي سبعة رجال قيام وقعود ، بالجرّ ، فيصح ، لأنك ميزت السبعة برجال موصوفين بالقيام والقعود ، على أنّ بعضهم قيام وبعضهم قعود ، فلو قلت : عنده سبعة رجال قيام وآخرين قعود ، تدافع ففسد (يا أَيُّهَا الْمَلَأُ) كأنه أراد الأعيان من العلماء والحكماء. واللام في قوله (لِلرُّءْيا) إما أن تكون للبيان ، كقوله (وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ) وإما أن تدخل ، لأنّ العامل إذا تقدّم عليه معموله لم يكن في قوّته على العمل فيه مثله إذا تأخر عنه ، فعضد بها كما يعضد بها اسم الفاعل ، إذا قلت : هو عابر للرؤيا ، لانحطاطه عن الفعل في القوة. ويجوز أن يكون للرؤيا خبر كان ، كما تقول : كان فلان لهذا الأمر إذا كان مستقلا به متمكنا منه. و (تَعْبُرُونَ) خبر آخر. أو حال ، وأن يضمن (تَعْبُرُونَ) معنى فعل يتعدى باللام ، كأنه قيل : إن كنتم تنتدبون لعبارة الرؤيا. وحقيقة «عبرت الرؤيا» ذكرت عاقبتها وآخر أمرها ، كما تقول : عبرت النهر ، إذا قطعته حتى تبلغ آخر عرضه وهو عبره (١). ونحوه : أولت الرؤيا إذا ذكرت مآلها وهو مرجعها. وعبرت الرؤيا ـ بالتخفيف ، هو الذي اعتمده الأثبات ، ورأيتهم ينكرون «عبرت» بالتشديد والتعبير والمعبر. وقد عثرت على بيت أنشده المبرد في كتاب الكامل لبعض الأعراب :
رَأَيْتُ رُؤْيَا ثُمَّ عَبَّرْتُهَا |
|
وَكُنْتُ لِلْأحْلَامِ عَبَّارَا (٢) |
(قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ وَما نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلامِ بِعالِمِينَ)(٤٤)
(أَضْغاثُ أَحْلامٍ) تخاليطها وأباطيلها ، وما يكون منها من حديث نفس أو وسوسة شيطان. وأصل الأضغاث : ما جمع من أخلاط النبات وحزم ، الواحد : ضغث ، فاستعيرت لذلك ،
__________________
(١) قوله «آخر عرضه وهو عبره» في الصحاح : «عبر النهر ، وعبر شطره وجانبه. (ع)
(٢) أنشده المبرد في كتابه. والرؤيا ـ بالألف : مصدر رأى المنامية ، ويقل مجيئه بالتاء. ومصدر البصرية بالعكس ، وعبرت الرؤيا ـ بالتخفيف وبالتضعيف كما هنا ـ : ذكرت عاقبتها وأدركت غايتها كأولتها ، إذا ذكرت مآلها ومرجعها. والأحلام : جمع حلم بالضم ، وهو ما يراه النائم. والعبار : مبالغة في المعبر أو في العابر ، واللام تزاد في المعمول لتقوية العامل إذا ضعف بالتأخر ، أو بكونه فرعا عن الفعل ، وقد اجتمع الأمران هاهنا فزيدت اللام.