والإضافة بمعنى «من» أى أضغاث من أحلام. والمعنى : هي أضغاث أحلام. فإن قلت : ما هو إلا حلم واحد ، فلم قالوا : أضغاث أحلام فجمعوا؟ قلت : هو كما تقول : فلان يركب الخيل ويلبس عمائم الخز ، لمن لا يركب إلا فرساً واحداً وما له إلا عمامة فردة ، تزيدا في الوصف ، فهؤلاء أيضاً تزيدوا في وصف الحلم بالبطلان ، فجعلوه أضغاث أحلام. ويجوز أن يكون قد قص عليهم مع هذه الرؤيا رؤيا غيرها (وَما نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلامِ بِعالِمِينَ) إما أن يريدوا بالأحلام المنامات الباطلة (١) خاصة ، فيقولوا : ليس لها عندنا تأويل ، فإن التأويل إنما هو للمنامات الصحيحة الصالحة ، وإما أن يعترفوا بقصور علمهم وأنهم ليسوا في تأويل الأحلام بنحارير (٢).
(وَقالَ الَّذِي نَجا مِنْهُما وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ)(٤٥)
قرئ (وَادَّكَرَ) بالدال وهو الفصيح. وعن الحسن : واذكر ، بالذال المعجمة. والأصل : تذكر ، أى تذكر الذي نجا من الفتيين من القتل يوسف وما شاهد منه (بَعْدَ أُمَّةٍ) بعد مدّة طويلة ، وذلك أنه حين استفتى الملك في رؤياه وأعضل على الملأ تأويلها ، تذكر الناجي يوسف وتأويله رؤياه ورؤيا صاحبه ، وطلبه إليه أن يذكره عند الملك. وقرأ الأشهب العقيلي (بَعْدَ أُمَّةٍ) بكسر الهمزة ، والإمّة النعمة. قال عدى :
ثُمَّ بَعْدَ الْفَلَاحِ وَالْمُلْكِ وَ |
|
الْإِمَّةِ وَارَتْهُمُ هُنَاكَ الْقُبُورُ (٣) |
__________________
(١) قال محمود : «يحتمل أن يكون مرادهم بالأحلام المنامات ... الخ» قال أحمد : وهذا هو الظاهر ، وحمل الكلام على الأول يصيره من وادى :
على لا حب لا يهتدى بمناره
كأنهم قالوا : ولا تأويل للأحلام الباطلة فنكون به عالمين. وقول الملك لهم أولا (إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ) دليل على أنهم لم يكونوا في علمه عالمين بها ، لأنه أتى بكلمة الشك ، وجاء اعترافهم بالقصور مطابقا لشك الملك الذي أخرجه مخرج استفهامهم عن كونهم عالمين بالرؤيا أولا. وقول الفتى : أنا أنبئكم بتأويله ـ إلى قوله ـ لعلى أرجع إلى الناس لعلهم يعلمون : دليل أيضاً على ذلك ، والله أعلم.
(٢) قوله «بنحارير» جمع نحرير وهو العالم المتقن ، كما في الصحاح. (ع)
(٣) أين كسرى كسرى الملوك أبو سا |
|
سان بل أين قبله سابور |
ثم بعد الفلاح والملك والامة |
|
وارتهم هناك القبور |
ثم صاروا كأنهم ورق جف |
|
فأولت به الصبا والدبور |
لعدي بن زيد. وكسرى وساسان وسابور : أسماء ملوك وساسان : هو أبو الأكاسرة. ويروى : أنو شروان ، بدل أبو ساسان ، فهو كلمة واحدة. وكسرى الثاني بدل من الأول ، مضاف لما بعده ، كما يقال : ملك الملوك ، وهو فارسى معرب ، وأصله خسرو ، فغيرته العربية. وإن كان عربيا مأخوذا من الكسر ، فالمعنى أنه كان يكسر شوكة الملوك ، وما بعد عطف بيان له وقيله متعلق بمحذوف حال من سابور وفي «بل» دلالة على أن سابور أعظم منهما. وثم ـ بالفتح ـ ظرف خبر لمحذوف أى هم ثم. وإن ضمت فهي عاطفة على محذوف ، أى أفلحوا ثم بعد الفلاح ، أى البقاء أو الفوز والملك. وروى ـ