(اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (٢) وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ وَأَنْهاراً وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)(٣)
(اللهُ) مبتدأ. و (الَّذِي) خبره ، بدليل قوله (وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ) ويجوز أن يكون صفة. وقوله (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ) خبر بعد خبر. وينصره ما تقدّمه من ذكر الآيات (رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها) كلام مستأنف استشهاد برؤيتهم لها كذلك. وقيل هي صفة لعمد. ويعضده قراءة أبىّ. ترونه. وقرئ : عمد ، بضمتين (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ) يدبر أمر ملكوته وربوبيته (يُفَصِّلُ) آياته في كتبه المنزلة (لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ) بالجزاء وبأن هذا المدبر والمفصل لا بد لكم من الرجوع إليه. وقرأ الحسن : ندبر ، بالنون (جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) خلق فيها من جميع أنواع الثمرات زوجين زوجين حين مدّها ، ثم تكاثرت بعد ذلك وتنوعت. وقيل : أراد بالزوجين : الأسود والأبيض ، والحلو والحامض ، والصغير والكبير ، وما أشبه ذلك من الأصناف المختلفة (يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ) يلبسه مكانه ، فيصير أسود مظلماً بعد ما كان أبيض منيراً. وقرئ : يغشى ، بالتشديد.
(وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (٤)
(قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ) بقاع مختلفة ، مع كونها متجاورة متلاصقة : طيبة إلى سبخة ، وكريمة إلى زهيدة ، (١) وصلبة إلى رخوة ، وصالحة للزرع لا للشجر إلى أخرى على عكسها ، مع انتظامها جميعاً في جنس الأرضية. وذلك دليل على قادر مريد ، موقع لأفعاله على وجه دون وجه. وكذلك الزروع والكروم والنخيل النابتة في هذه القطع ، مختلفة الأجناس والأنواع ، وهي تسقى بماء واحد ، وتراها متغايرة الثمر في الأشكال والألوان والطعوم والروائح ، متفاضلة فيها.
__________________
(١) قوله «زهيدة» في الصحاح : واد زهيد قليل الأخذ للماء ، وأرض زهاد : أى لا تسيل إلا عن مطر كثير. (ع)