(الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللهِ) مبتدأ. و (أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ) خبره كقوله : والذين ينقضون عهد الله أولئك لهم اللعنة. ويجوز أن يكون صفة لأولى الألباب ، والأوّل أوجه. وعهد الله : ما عقدوه على أنفسهم من الشهادة بربوبيته (وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى). (وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ) ولا ينقضون كل ما وثقوه على أنفسهم وقبلوه : من الإيمان بالله وغيره من المواثيق بينهم وبين الله وبين العباد ، تعميم بعد تخصيص (ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ) من الأرحام والقرابات ، ويدخل فيه وصل قرابة رسول الله وقرابة المؤمنين الثابتة بسبب الإيمان (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) بالإحسان إليهم على حسب الطاقة ، ونصرتهم ، والذب عنهم ، والشفقة عليهم ، والنصيحة لهم ، وطرح التفرقة بين أنفسهم وبينهم ، وإفشاء السلام عليهم ، وعيادة مرضاهم ، وشهود جنائزهم. ومنه مراعاة حق الأصحاب والخدم والجيران والرفقاء في السفر ، وكل ما تعلق منهم بسبب ، حتى الهرة والدجاجة. وعن الفضيل بن عياض أنّ جماعة دخلوا عليه بمكة فقال : من أين أنتم؟ قالوا : من أهل خراسان. قال : اتقوا الله وكونوا من حيث شئتم ، واعلموا أنّ العبد لو أحسن الإحسان كله وكانت له دجاجة فأساء إليها لم يكن من المحسنين (وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ) أى يخشون وعيده كله (وَيَخافُونَ) خصوصاً (سُوءَ الْحِسابِ) فيحاسبون أنفسهم قبل أن يحاسبوا (صَبَرُوا) مطلق فيما يصبر عليه من المصائب في النفوس والأموال ومشاق التكليف (ابْتِغاءَ وَجْهِ) الله ، لا ليقال : ما أصبره وأحمله للنوازل ، وأوقره عند الزلازل ، ولا لئلا يعاب بالجزع ولئلا يشمت به الأعداء كقوله :
وَتَجَلُّدِى لِلشّامِتِينَ أُرِيهِمُ (١)
ولا لأنه لا طائل تحت الهلع ولا مردّ فيه للفائت ، كقوله :
مَا إنْ جَزِعْتُ وَلَا هَلَعْ |
|
تُ وَلَا يَرُدُّ بُكَاىَ زَنْدَا (٢) |
__________________
(١) وإذا المنية أنشبت أظفارها |
|
ألفيت كل تميمة لا تنفع |
وتجلدي للشامتين أريهم |
|
أنى لريب الدهر لا أتضعضع |
لأبى ذؤيب خويلد بن خالد المخزومي ، يرثى بنيه. روى أن معاوية مرض ، فعاده الحسن بن على رضى الله عنهما فقال : كحلونى وألبسونى عمامتي ، وأظهر القوة وأنشد له البيت الثاني ، فأجابه الحسن بغتة بالأول. وشبه المنية بالسبع على طريق المكنية. وإنشاب الأظفار : تخييل. ومنى له : قدر له. والمنية : الموت لأنه مقدر. والانشاب : الغرز والتعليق. ألفيت : أى وجدت كل تميمة لا تنفع ، وهي ما يعلق على الولدان خوف الجن والحسد. وتجلدي : أى تصبرى وتصلبي. مبتدأ. وأريهم : خبره ، أى أظهر لهم به أنى لا أتضعضع وأتخشع وأضعف لأجل ريب الدهر ، أى حدثانه الطارئ من حيث لا أشعر.
(٢) ليس الجمال بمئزر |
|
فاعلم وإن رديت برداً |
إن الجمال معادن |
|
ومناقب أورثن مجداً |