دعوتك واتباع رسلك. أو أريد باليوم : يوم هلاكهم بالعذاب العاجل ، أو يوم موتهم معذبين بشدّة السكرات ولقاء الملائكة بلا بشرى ، وأنهم يسألون يومئذ أن يؤخرهم ربهم إلى أجل قريب ، كقوله (لَوْ لا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ). (أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ) على إرادة القول ، وفيه وجهان : أن يقولوا ذلك بطرا وأشرا ، ولما استولى عليهم من عادة الجهل والسفه ، وأن يقولوه بلسان الحال حيث بنوا شديداً وأمّلوا بعيداً. و (ما لَكُمْ) جواب القسم ، وإنما جاء بلفظ الخطاب لقوله (أَقْسَمْتُمْ) ولو حكى لفظ المقسمين لقيل : ما لنا (مِنْ زَوالٍ) والمعنى أقسمتم أنكم باقون في الدنيا لا تزالون بالموت والفناء. وقيل. لا تنتقلون إلى دار أخرى يعنى كفرهم بالبعث ، كقوله (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ) يقال : سكن الدار وسكن فيها. ومنه قوله تعالى (وَسَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) لأنّ السكنى من السكون الذي هو اللبث ، والأصل تعدّيه بفي ، كقولك : قرّ في الدار وغنى فيها وأقام فيها ، ولكنه لما نقل إلى سكون خاص تصرف فيه فقيل : سكن الدار كما قيل : تبوّأها وأوطنها. ويجوز أن يكون : سكنوا (١) ، من السكون ، أى : قرّوا فيها واطمأنوا طيبي النفوس ، سائرين سيرة من قبلهم في الظلم والفساد ، لا يحدّثونها بما لقى الأوّلون من أيام الله وكيف كان عاقبة ظلمهم ، فيعتبروا ويرتدعوا (وَتَبَيَّنَ لَكُمْ) بالإخبار والمشاهدة (كَيْفَ) أهلكناهم وانتقمنا منهم. وقرئ : ونبين لكم ، بالنون (وَضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ) أى صفات ما فعلوا وما فعل بهم ، وهي في الغرابة كالأمثال المضروبة لكل ظالم (وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ) أى مكرهم العظيم الذي استفرغوا فيه جهدهم (وَعِنْدَ اللهِ مَكْرُهُمْ) لا يخلوا إمّا أن يكون مضافا إلى الفاعل كالأوّل ، على معنى : ومكتوب عند الله مكرهم ، فهو مجازيهم عليه بمكر هو أعظم منه ، أو يكون مضافا إلى المفعول على معنى : وعند الله مكرهم الذي يمكرهم (٢) به ، وهو عذابهم الذي يستحقونه يأتيهم به من حيث لا يشعرون ولا يحتسبون (وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ) وإن عظم مكرهم وتبالغ في الشدة ، فضرب زوال الجبال منه مثلا لتفاقمه وشدته ، أى : وإن كان مكرهم مسوى لإزالة الجبال. معداً لذلك ، وقد جعلت إن نافية واللام مؤكدة لها ، كقوله تعالى (وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ) والمعنى : ومحال أن تزول الجبال بمكرهم ، على أنّ الجبال مثل لآيات الله وشرائعه ، لأنها بمنزلة الجبال الراسية ثباتاً وتمكناً. وتنصره قراءة ابن
__________________
(١) قوله «ويجوز أن يكون سكنوا» لعله : سكنتم. (ع)
(٢) قوله «وعند الله مكرهم الذي يمكرهم به» الذي في الصحاح المكر : الاحتيال والخديعة ، وقد مكر به. والمكر أيضاً : المغرة ، وقد مكره فامتكر ، أي خضبه فاختضب اه ، وهو يفيد أن المكر بمعنى الاحتيال لا يتعدى بنفسه ، فتدبر. (ع