وعن ابن جريج (أَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ) صفر من الخير خاوية منه. وقال أبو عبيدة : جوف لا عقول لهم.
(وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ ما لَكُمْ مِنْ زَوالٍ (٤٤) وَسَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ وَضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ (٤٥) وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ (٤٦) فَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقامٍ)(٤٧)
(يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ) مفعول ثان لأنذر وهو يوم القيامة. ومعنى (أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ) ردّنا إلى الدنيا وأمهلنا إلى أمد وحدّ من الزمان قريب ، نتدارك ما فرطنا فيه من إجابة
__________________
ـ وبرح كسمع : ذهب وزال. وقيل : ظهر واتضح من براح الأرض وهو البارز منها ، فالخفا بمعنى التستر أو السر. وإسناد الترك للسيوف مجاز عقلى ، لأنها آلة للفعل. وعبيد بالتصغير قبيلة ، وكذلك عبد الدار ، وسادتها مبتدأ. والإماء خبره ، والجملة في محل المفعول الثاني لتركت ، أى صيرت عبيداً لا سادة لها إلا النساء ، وصيرت عبد الدار كذلك ، يعنى : أننا أفنينا رجالهما الرؤساء الأشراف ، فأشرافهما النساء لا غير ، بل يجوز أنهم سواء الحرائر أيضاً ، فلم يبق إلا الرقائق. وأتهجوه : استفهام توبيخي ، والواو بعده للحال ، أى : لا ينبغي ذلك شر وخير ، من قبيل أفعل التفضيل ، واختصا بحذف همزتهما تخفيفاً لكثرة استعمالهما ، لكن المراد بهما هنا أصل الوصف لا الزيادة فيه والشر أبو سفيان ، والجملة دعائية ، دعا عليه بأن يكون فداء الرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبرزه في صورة الإبهام لأجل الانصاف في الكلام ، ولذلك لما سمعه الحاضرون قالوا : هذا نصف بيت قالته العرب ، فعليك بالانصاف وأمن يهجو : استفهام إنكارى ، أى ليس من يهجوه منكم ومن يمدحه وينصره منا مستويين. ويحتمل أن الهمزة للتنبيه ، أو للنداء ، والمنادى محذوف ، أى : يا قوم أبى سفيان إن الذي يهجو رسول الله منكم والذي يمدحه وينصره منكم مستويان في عدم الاكتراث بهما وروى : فمن ، ولا بد من تقدير ، أى : من يهجوه ويخذله منكم ليقابل الخذلان النصر كالهجو والمدح ، ثم إن في هذا دليلا على جواز حذف الموصول ، وقد أجازه الكوفيون والأخفش ، وتبعهم أبو مالك ، وشرط كونه معطوفا على موصول آخر كما هنا. وقوله : ووالده ، أى والد أمى. ويروى : ووالدتي. والوقاء : ما يتوقى به المكروه ، كالترس وزن الحزام والرباط للمفعول به الفعل ، فهو إما بمعنى اسم مفعول أو اسم الآلة ، ورأيت في كلام الزمخشري ما يفيد تسمية هذا الوزن باسم المفعول. وفي الهمع ما يفيد أنه جاء شاذا من أوزان الآلة ، كأراث لما تؤرث به النار ، أى تضرم به ، وسراد لما يسرد به ، أى يحزز به. ولما سمع صلى الله عليه وسلم قوله «وعند الله في ذلك الجزاء» قال : جزاك الله الجنة بإحسان. ولما سمع قوله «فان أبى» قال : وقال الله حر النار بإحسان. وتقريره صلى الله عليه وسلم على المكافأة بالذم ، يدل على الجواز.