وقال قوم من رؤساء الكفرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم : نحّ هؤلاء الموالي الذين كأن ريحهم ريح الضأن ، وهم : صهيب وعمار وخباب وغيرهم من فقراء المسلمين ، حتى نجالسك كما قال قوم نوح : (أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ) فنزلت : (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ) واحبسها معهم وثبتها. قال أبو ذؤيب :
فصبرت عارفة لذلك حرّة |
|
ترسو إذا نفس الجبان تطلّع (١) |
(بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِ) دائبين على الدعاء في كل وقت. وقيل : المراد صلاة الفجر والعصر. وقرئ : بالغدوة ، وبالغداة أجود ، لأن غدوة علم في أكثر الاستعمال ، وإدخال اللام على تأويل التنكير كما قال :
...... والزّيد زيد المعارك (٢)
ونحوه قليل في كلامهم. يقال : عداه إذا جاوزه ومنه قولهم. عدا طوره. وجاءني القوم عدا زيدا. وإنما عدى بعن ، لتضمين عدا معنى نبا وعلا ، في قولك : نبت عنه عينه وعلت عنه عينه : إذا اقتحمته ولم تعلق به. فإن قلت : أى غرض في هذا التضمين؟ وهلا قيل : ولا تعدهم عيناك ، أو لا تعل عيناك عنهم؟ قلت الغرض فيه إعطاء مجموع معنيين ، وذلك أقوى من إعطاء معنى فذ. ألا ترى كيف رجع المعنى إلى قولك : ولا تقتحمهم عيناك مجاوزتين إلى غيرهم؟ ونحوه قوله تعالى (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ) أى ولا تضموها إليها أكلين لها. وقرئ : ولا تعد عينيك ، ولا تعدّ عينيك ، من أعداه وعدّاه نقلا بالهمزة وتثقيل الحشو. ومنه قوله :
فعد عمّا ترى إذ لا ارتجاع له (٣)
__________________
(١) لأبى ذؤيب في مرثية بنيه ، وصبرت : أى حبست نفسا عارفة لذلك البلاء ، وضمن عارفة معنى صابرة فعداه باللام ، جسرة : أى قوية صلبة. ويروى : حرة ، بضم الحاء ، أى جيدة. ترسو : تطمئن وتسكن ، إذا تطلع نفس الجيان وتجزع كأنها تريد الفرار وأصله تتطلع ، حذف منه إحدى التاءين تخفيفا.
(٢) وقد كان منهم حاجب وابن أمه |
|
أبو جندل والزيد زيد المعارك |
دخلت «أل» المعرفة على «زيد» وهو علم لتأويله بالمسمى بزيد ، ولذلك أضافه للمعارك ، أى أمكنة الحروب. يقول : وقد كان من هؤلاء القوم حاجب بن لقيط بن زرارة وابن أمه ، أى أخوه أبو جندل والمسمى يزيد ، المعد للحروب. وفيه إشارة إلى أنه يعرف بذلك فيما بين الناس.
(٣) فعد عما ترى إذ لا ارتجاع له |
|
وأتم القتود على عيرانة أحد |
للنابغة الذبياني. ونما ينمى نميا : زاد وارتفع. ونماه ينميه نميا : رفعه وزاده. ونما ينمو نموا من باب دخل. ونماه ينموه نموا أيضا ، لكن الواوي قليل. والقتود : جمع أقتاد ، جمع قتد : وهي عيدان الرحل بلا أداة. والعيرانة : الشبيهة بالعير في سرعة السير. والأجد : الصلبة الموثقة الخلق. يقول : انصرف عما ترى من آثار الديار ، أو عما تظن رجوعه ، لأنه لا تدارك له أو لا رجوع له ، وارفع عيدان الرحل على ناقة سريعة صلبة ، كناية عن أمره بالسفر ، لأن شد الرحال لا يكون إلا له.