(وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ) الحق خبر مبتدأ محذوف. والمعنى : جاء الحق وزاحت العلل (١) فلم يبق إلا اختياركم لأنفسكم ما شئتم من الأخذ في طريق النجاة أو في طريق الهلاك. وجيء بلفظ الأمر والتخيير ، لأنه لما مكن من اختيار أيهما شاء ، فكأنه مخير مأمور بأن يتخير ما شاء من النجدين. شبه ما يحيط بهم من النار بالسرادق ، وهو الحجرة التي تكون حول الفسطاط ، وبيت مسردق : ذو سرادق وقيل : هو دخان يحيط بالكفار قبل دخولهم النار. وقيل : حائط من نار يطيف بهم (٢) (يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ) كقوله :
...... فأعتبوا بالصّيلم (٣)
وفيه تهكم. والمهل : ما أذيب من جواهر الأرض. وقيل : دردىّ الزيت (يَشْوِي الْوُجُوهَ) إذا قدم ليشرب انشوى الوجه من حرارته. عن النبي صلى الله عليه وسلم : هو كعكر الزيت (٤) ، فإذا قرب إليه سقطت فروة وجهه (بِئْسَ الشَّرابُ) ذلك (وَساءَتْ) النار (مُرْتَفَقاً) متكا من المرفق ، وهذا لمشاكلة قوله (وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً) وإلا فلا ارتفاق لأهل النار ولا اتكاء ، إلا أن يكون من قوله :
إنىّ أرقت فبتّ اللّيل مرتفقا |
|
كأنّ عينى فيها الصّاب مذبوح (٥) |
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً (٣٠) أُولئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ
__________________
(١) قوله «والمعنى جاء الحق وزاحت العلل» في الصحاح «زاح الشيء» بعد وذهب. وأزحت علته فزاحت. (ع)
(٢) قوله «يطيف بهم» الذي يفيده الصحاح : طاف يطوف حول الشيء : دار حوله ، وطاف يطيف بالشيء : جاءه وأ لم به ، فتدبر. (ع)
(٣) تقدم شرح هذا الشاهد بالجزء الأول ص ١٠٥ فراجعه إن شئت اه مصححه.
(٤) أخرجه الترمذي من طريق رشدين بن سعد. عن عمرو بن الحارث عن دراج عن أبى الهيثم عن أبى سعيد. واستغربه. وقال : لا يعرف إلا من حديث رشدين بن سعد وتعقب قوله : بأن أحمد وأبا يعلى أخرجاه من طريق ابن لهيعة عن دراج ، وبأن ابن حبان والحاكم أخرجاه من طريق ابن وهب عن عمرو بن الحارث.
(٥) لأبى ذؤيب الهذلي. ويروى بدل الشطر الأول : مقام الخلى وبت الليل مشتجرا. والارتفاق : الاتكاء على المرفق مع نصب الساعد. والاشتجار : وضع اليد تحت الشجر وهو ما بين اللحيين والاتكاء عليها ، وهي هيئة المتحزن المتحسر. والأرق ، السهر. والصاب : نبت مر كالحنظل. والمذبوح : المشقوق. وهو كناية عن البكاء وانصباب الدموع.