أَعْنابٍ) بستانين من كروم (وَحَفَفْناهُما بِنَخْلٍ) وجعلنا النخل محيطا بالجنتين ، وهذا مما يؤثره الدهاقين (١) في كرومهم : أن يجعلوها مؤزرة بالأشجار المثمرة. يقال : حفوه ، إذا أطافوا به : وحففته بهم. أى جعلتهم حافين حوله ، وهو متعدّ إلى مفعول واحد «فتزيده الباء مفعولا ثانيا ، كقولك : غشيه ، وغشيته به (وَجَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعاً) جعلناها أرضا جامعة للأقوات والفواكه. ووصف العمارة بأنها متواصلة متشابكة لم يتوسطها ما يقطعها ويفصل بينها ، مع الشكل الحسن والترتيب الأنيق ، ونعتهما بوفاء الثمار وتمام الأكل من غير نقص ، ثم بما وهو أصل الخير ومادّته من أمر الشرب فجعله أفضل ما يسقى به ، وهو السيح بالنهر الجاري فيها. والأكل : الثمر. وقرئ بضم الكاف (وَلَمْ تَظْلِمْ) ولم تنقص. وآتت : حمل على اللفظ ، لأنّ (كِلْتَا) لفظه لفظ مفرد ، ولو قيل : آتتا على المعنى ، لجاز. وقرئ : وفجرنا ، على التخفيف. وقرأ عبد الله : كل الجنتين آتى أكله بردّ الضمير على كل (وَكانَ لَهُ ثَمَرٌ) أى أنواع من المال ، من ثمر ماله (٢) إذا كثر. وعن مجاهد : الذهب والفضة ، أى : كانت له إلى الجنتين الموصوفتين الأموال الدثرة (٣) من الذهب والفضة وغيرهما ، وكان وافر اليسار من كل وجه ، متمكنا من عمارة الأرض كيف شاء (وَأَعَزُّ نَفَراً) يعنى أنصارا وحشما. وقيل : أولادا ذكورا ، لأنهم ينفرون معه دون الإناث. يحاوره : يراجعه الكلام ، من حار يحور إذا رجع ، وسألته فما أحار كلمة.
(وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ قالَ ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً (٣٥) وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً)(٣٦)
يعنى قطروس أخذ بيد أخيه المسلم يطوف به في الجنتين ويريه ما فيهما ويعجبه منهما ويفاخره بما ملك من المال دونه. فإن قلت : فلم أفرد الجنة بعد التثنية؟ قلت : معناه ودخل ما هو جنته ما له جنة غيرها ، يعنى أنه لا نصيب له في الجنة التي وعد المؤمنون ، فما ملكه في الدنيا هو جنته لا غير ، ولم يقصد الجنتين ولا واحدة منهما (وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ) وهو معجب بما أوتى مفتخر به كافر لنعمة ربه ، معرّض بذلك نفسه لسخط الله ، وهو أفحش الظلم. إخباره عن نفسه
__________________
(١) قوله «الدهاقين» واحدة دهقان. (ع)
(٢) قوله «من تمر ماله» الذي في الصحاح : أن الثمر جمع ثمار ، ككتب وكتاب. وأن الثمر أيضا : المال المثمر ، ويخقف ويثقل. وأثمر الرجل : إذا كثر ماله ، وثمر الله ماله ، أى : كثره. وعبارة الخازن : وكان له ثمر. قرئ بالفتح جمع ثمرة ، وقرئ بالضم وهو الأموال الكثيرة المثمرة من كل صنف من الذهب والفضة وغيرهما. وفي النسفي : له ثمر ، وأحيط بثمره بفتح الميم والثاء وبضم الثاء وسكون الميم ، وبضمهما. (ع)
(٣) قوله «الأموال الدثرة» الكثيرة. أفاده الصحاح. (ع)