(فَأَعْرَضَ عَنْها) فلم يتذكر حين ذكر ولم يتدبر (وَنَسِيَ) عاقبة (ما قَدَّمَتْ يَداهُ) من الكفر والمعاصي ، غير مفكر فيها ولا ناظر في أنّ المسيء والمحسن لا بد لهما من جزاء. ثم علل إعراضهم ونسيانهم بأنهم مطبوع على قلوبهم ، وجمع بعد الافراد حملا على لفظ من ومعناه (فَلَنْ يَهْتَدُوا) فلا يكون منهم اهتداء البتة ، كأنه محال منهم لشدة تصميمهم (أَبَداً) مدة التكليف كلها. و (إِذاً) جزاء وجواب ، فدل على انتفاء اهتدائهم لدعوة الرسول ، بمعنى أنهم جعلوا ما يجب أن يكون سبب وجود الاهتداء سببا في انتفائه ، وعلى أنه جواب للرسول على تقدير قوله : مالى لا أدعوهم حرصا على إسلامهم؟ فقيل : وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا.
(وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤاخِذُهُمْ بِما كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلاً)(٥٨)
(الْغَفُورُ) البليغ المغفرة (ذُو الرَّحْمَةِ) الموصوف بالرحمة ، ثم استشهد على ذلك بترك مؤاخذة أهل مكة عاجلا من غير إمهال ، مع إفراطهم في عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم (بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ) وهو يوم بدر (لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلاً) منجى ولا ملجأ. يقال : «وأل» إذا نجا ، و «وأل إليه» إذا لجأ إليه.
(وَتِلْكَ الْقُرى أَهْلَكْناهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً)(٥٩)
(وَتِلْكَ الْقُرى) يريد قرى الأوّلين من ثمود وقوم لوط وغيرهم : أشار لهم إليها ليعتبروا. (تِلْكَ) مبتدأ ، و (الْقُرى) صفة ، لأنّ أسماء الإشارة توصف بأسماء الأجناس ، و (أَهْلَكْناهُمْ) خبر. ويجوز أن يكون (تِلْكَ الْقُرى) نصبا بإضمار أهلكنا على شريطة التفسير. والمعنى : وتلك أصحاب القرى أهلكناهم (لَمَّا ظَلَمُوا) مثل ظلم أهل مكة (وَجَعَلْنا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً) وضربنا لإهلاكهم وقتا معلوما لا يتأخرون عنه كما ضربنا لأهل مكة يوم بدر. والمهلك : الإهلاك ووقته. وقرئ (لِمَهْلِكِهِمْ) بفتح الميم ، واللام مفتوحة أو مكسورة ، أى : لهلاكهم أو وقت هلاكهم. والموعد : وقت ، أو مصدر.
(وَإِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً (٦٠) فَلَمَّا بَلَغا مَجْمَعَ بَيْنِهِما نَسِيا حُوتَهُما فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً (٦١) فَلَمَّا جاوَزا قالَ لِفَتاهُ آتِنا غَداءَنا لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً (٦٢)