بلأقعدنّ يصدّ عنه لام القسم ، لا تقول : والله بزيد لأمرّنّ؟ قلت : تعلقت بفعل القسم المحذوف تقديره : فبما أغويتنى أقسم بالله لأقعدنّ ، أى فبسبب إغوائك أقسم. ويجوز أن تكون الباء للقسم ، أى : فأقسم بإغوائك لأقعدنّ ، وإنما أقسم بالإغواء ، لأنه كان تكليفا ، والتكليف من أحسن أفعال الله ، لكونه تعريضاً لسعادة الأبد ، فكان جديراً بأن يقسم به. ومن تكاذيب المجبرة (١) ما حكوه عن طاوس أنه كان في المسجد الحرام فجاء رجل من كبار الفقهاء يرمى بالقدر ، فجلس إليه فقال له طاوس : تقوم أو تقام ، فقام الرجل ، فقيل له : أتقول هذا لرجل فقيه؟ فقال : إبليس أفقه منه ، قال رب بما أغويتنى ، وهذا يقول : أنا أغوى نفسي ، وما ظنك بقوم بلغ من تهالكهم على إضافة القبائح إلى الله سبحانه ، أن لفقوا الأكاذيب على الرسول والصحابة والتابعين (٢). وقيل «ما» للاستفهام ، كأنه قيل : بأى شيء أغويتنى ، ثم ابتدأ لأقعدنّ. وإثبات الألف إذا أدخل حرف الجر على «ما» الاستفهامية ، قليل شاذ. وأصل الغىّ الفساد. ومنه : غوى الفصيل ، إذا بشم. والبشم : فساد في المعدة (لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ) لأعترضن لهم على طريق الإسلام كما يعترض العدوّ على الطريق ليقطعه على السابلة وانتصابه على الظرف ، كقوله :
... كَمَا عَسَلَ الطَّرِيقَ الثَّعْلَبُ (٣)
__________________
(١) قوله «ومن تكاذيب المجبرة ما حكوه» يعنى أهل السنة ، وسماهم المعتزلة بذلك ، لقولهم : إن خالق أفعال العباد ولو قبيحة هو الله تعالى ، فيكون العبد مجبوراً فيها. فكيف يصح تكليفه ، ولكنهم أثبتوا للعبد الكسب في أفعاله ، ولذلك صح تكليفه. أما الجبر المنافى للتكليف ، فهو أن لا يكون للعبد دخل في فعله أصلا ، بحيث يكون كالريشة المعلقة في الهواء. وبه قالت المجبرة الحقيقية ، كما هو مذكور في أواخر المواقف. (ع)
(٢) عاد كلامه. قال : «ومن تكاذيب المجبرة : ما حكوه عن طاوس أنه كان في المسجد الحرام فجاء رجل من كبار الفقهاء يرمى بالقدر ، فجلس إليه فقال له طاوس تقوم أو تقام؟ فقام الرجل. فقيل له : أتقول هذا لرجل فقيه؟ فقال : إبليس أفقه منه ، قال رب بما أغويتنى. وهذا يقول : أنا أغوى نفسي. انتهي كلام طاوس على زعمهم. وما ظنك بقوم بلغ من تهالكهم على إضافة القبائح إلى الله سبحانه وتعالى أن لفقوا الأكاذيب على الرسول والصحابة والتابعين» انتهى كلامه. قال أحمد : وإنما أوردت مثل هذا من كلامه وإن كان غير محتاج إلى التنبيه على فساده وحيده عن العقائد الصحيحة لتبلج الحجة في وجوب الرد عليه وتعينه على مر هداه الله إليه. ولقد صدق طاوس رضى الله عنه. وأما قول الزمخشري في أهل السنة الذين سماهم مجبرة أنهم يتهالكون في نسبة القبائح إلى الله تعالى ، فحاصله : أنهم يخلصون التوحيد حتى لا يؤمنون بخالق غير الله ، ولكي يصدفوا قوله تعالى متمدحا (اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) لا كالقدرية الذين هم يتهالكون حتى هم يشركون ويحرفون الكلم عن مواضعه ، فيؤولون الفاعل بالمسبب. فأى الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون ، والله الموفق للصواب.
(٣) لدن بهز الكف يعسل متنه |
|
فيه كما عسل الطريق الثعلب |
لساعدة بن جؤية ، يصف رمحاً بأنه لين يضطرب صلبه في الكف بسبب هزه ، فلا يلبس فيه ، كما عسل أى اضطرب الثعلب في الطريق ، فحذف الجار من الثاني الضرورة ، واغتفر لذكره في الأولى ، وفي عسل معنى الدخول بسرعة.