وشبهه الزجاج بقولهم : ضرب زيد الظهر والبطن ، أى على الظهر والبطن. وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن الشيطان قعد لابن آدم بأطرقة : قعد له بطريق الإسلام فقال له : تدع دين آبائك ، فعصاه فأسلم. ثم قعد له بطريق الهجرة فقال له : تدع ديارك وتتغرب ، فعصاه فهاجر. ثم قعد له بطريق الجهاد فقال له : تقاتل فتقتل فيقسم مالك وتنكح امرأتك ، فعصاه فقاتل (١)» (ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ) من الجهات الأربع التي يأتى منها العدوّ في الغالب. وهذا مثل لوسوسته إليهم وتسويله ما أمكنه وقدر عليه ، كقوله (وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ). فإن قلت : كيف قيل (مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ) بحرف الابتداء (وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ) بحرف المجاوزة؟ قلت : المفعول فيه عدّى إليه الفعل نحو تعديته إلى المفعول به فكما اختلفت حروف التعدية في ذاك اختلفت في هذا ، وكانت لغة تؤخذ ولا تقاس. وإنما يفتش عن صحة موقعها فقط ، فلما سمعناهم يقولون : جلس عن يمينه وعلى يمينه ، وعن شماله وعلى شماله ، قلنا : معنى «على يمينه» أنه تمكن من جهة اليمين تمكن المستعلى من المستعلى عليه. ومعنى «عن يمينه» أنه جلس متجافيا عن صاحب اليمين منحرفا عنه غير ملاصق له. ثم كثر حتى استعمل في المتجافي وغيره ، كما ذكرنا في «تعالى». ونحوه من المفعول به قولهم رميت عن القوس ، وعلى القوس ، ومن القول ، لأنّ السهم يبعد عنها ، ويستعليها إذا وضع على كبدها للرمي ، ويبتدئ الرمي منها. كذلك قالوا : جلس بين يديه وخلفه بمعنى فيه ، لأنهما ظرفان للفعل. ومن بين يديه ومن خلفه : لأن الفعل يقع في بعض الجهتين ، كما تقول : جئته من الليل ، تريد بعض الليل ، وعن شقيق : ما من صباح إلا قعد لي الشيطان على أربع مراصد : من بين يدىّ ، ومن خلفي ، وعن يمينى ، وعن شمالي : أمّا من بين يدي فيقول : لا تخف ، فإن الله غفور رحيم ، فأقرأ (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً) وأمّا من خلفي ، فيخوّفنى الضيعة على مخلفي فأقرأ (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُها) وأمّا من قبل يمينى ، فيأتينى من قبل الثناء فأقرأ (وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) وأمّا من قبل شمالي فيأتينى من قبل الشهوات فأقرأ (وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ). (وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ) قاله تظنيناً ، بدليل قوله (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ) وقيل : سمعه من الملائكة بإخبار الله تعالى لهم.
(قالَ اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مَدْحُوراً لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ)(١٨)
__________________
(١) أخرجه النسائي وأحمد وابن حبان وأبر يعلى والطبراني من حديث سمرة ابن الفاكه وابن أبى الفاكه به وأتم منه. «تنبيهان» أحدهما : قوله «بأطرقه» ضبطه ثابت في الدلائل بكسر الراء ، بمثناة وبضم الراء. وبهاء. ثانيهما : قوله «بأطرقه» : وقع عند الطيبي ، رواه النسائي من حديث سيرة بن معبد. وهو وهم.