لم يزل مستهجناً في الطباع مستقبحاً في العقول. فإن قلت : ما للواو المضمومة في «وروى» لم تقلب همزة كما قلت في أو يصل؟ قلت : لأن الثانية مدّة كألف وارى. وقد جاء في قراءة عبد الله أورى ، بالقلب (إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ) إلا كراهة أن تكونا ملكين. وفيه دليل على أن الملكية بالمنظر الأعلى ، وأن البشرية تلمح مرتبتها كلا ولا. وقرئ : ملكين ، بكسر اللام ، كقوله (وَمُلْكٍ لا يَبْلى). (مِنَ الْخالِدِينَ) من الذين لا يموتون ويبقون في الجنة ساكنين. وقرئ : من سوأتهما ، بالتوحيد. وسوّاتهما ، بالواو المشدّدة (وَقاسَمَهُما) وأقسم لهما (إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ). فإن قلت : المقاسمة أن تقسم لصاحبك ويقسم لك (١) تقول : قاسمت فلاناً حالفته ، وتقاسما تحالفا. ومنه قوله تعالى (تَقاسَمُوا بِاللهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ). قلت : كأنه قال لهما : أقسم لكما إنى لمن الناصحين ، وقالا له : أتقسم بالله إنك لمن الناصحين ، فجعل ذلك مقاسمة بينهم. أو أقسم لهما بالنصيحة وأقسما له بقبولها (٢). أو أخرج قسم إبليس على زنة المفاعلة ، لأنه اجتهد فيه اجتهاد المقاسم (فَدَلَّاهُما) فنزّلهما إلى الأكل من الشجرة (بِغُرُورٍ) بما غرهما به من القسم بالله. وعن قتادة : وإنما يخدع المؤمن بالله. وعن ابن عمر رضى الله عنه : أنه كان إذا رأى من عبده طاعة وحسن صلاة أعتقه ، فكان عبيده يفعلون ذلك طلباً للعتق ، فقيل له : إنهم يخدعونك ، فقال : من خدعنا بالله انخدعنا له (٣) (فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ) وجدا طعمها آخذين في الأكل منها. وقيل : الشجرة هي السنبلة. وقيل : شجرة الكرم (بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما) أى تهافت عنهما اللباس فظهرت لهما عوراتهما ، وكانا لا يريانها من أنفسهما ، ولا أحدهما من الآخر. وعن عائشة رضى الله عنها : ما رأيت منه ولا رأى منى (٤). وعن سعيد بن جبير : كان لباسهما من جنس الأظفار.
__________________
ـ كاذب مبطل ، فلا دليل فيه ، إذ ليس في الآية ما يوجب تقرير الله تعالى لا بليس على ذلك ولا تصديقه فيه ، بل ختمت الآية بما يدل على أنه كذب لهما وغرهما ، إذ قال الله تعالى عنه (فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ) فلعل تفضيله الملكية على النبوة من جملة غروره ، والله أعلم.
(١) عاد كلامه. قال : «فان قلت المقاسمة أن تقسم لصاحبك ويقسم لك ... الخ» قال أحمد : ويكون في الكلام حينئذ لف ، لأن آدم وحواء عليهما السلام لا يقسمان له بلفظ المتكلم ، ولكن بالخطاب ، فجعل القسم من الجانبين كلاما واحداً مضافا لا بليس.
(٢) عاد كلامه. قال : «أو أقسم لهما على النصيحة وأقسما له على قبولها» قال أحمد ، وهذا التأويل يتم لوجود المقاسمة عن ذكر المقسم عليه. وأما حيث جعل المقسم عليه هو النصيحة لا غير ، فيبعد التأويل المذكور ، إلا أن يحمل الأمر على أنه سمى قبول النصيحة نصيحة للمشاكلة والمقابلة ، كما قيل في قوله تعالى (وَواعَدْنا مُوسى) أنه سمى التزام موسى للوفاء والحضور للميعاد ، ميعادا ، فأسند التعبير بالمفاعلة ، والله أعلم.
(٣) أخرجه ابن سعد من رواية نافع قال «كان ابن عمر إذا اشتد عجبه بشيء من ماله قربه لربه ـ وكان رقيقه قد عرفوا ذلك منه. فربما شمر أحدهم فيلزم المسجد. فإذا رآه ابن عمر على تلك الحالة الحسنة أعتقه. فيقول له أصحابه : ـ فذكره. وأخرجه أبو نعيم في الحلية من هذا الوجه.
(٤) أخرجه أبو يعلى من رواية كامل أبى العلاء عن أبى صالح ـ رواه عن ابن عباس رضى الله عنهما قال : ـ