وعن وهب : كان لباسهما نوراً يحول بينهما وبين النظر. ويقال : طفق بفعل كذا ، بمعنى جعل يفعل كذا. وقرأ أبو السمال : وطفقا بالفتح (يَخْصِفانِ) ورقة فوق ورقة على عوراتهما ليستترا بها ، كما يخصف النعل ، بأن تجعل طرقة على طرقة وتوثق بالسيور. وقرأ الحسن : يخصفان ، بكسر الخاء وتشديد الصاد ، وأصله يختصفان. وقرأ الزهري : يخصفان ، من أخصف ، وهو منقول من خصف أى يخصفان أنفسهما وقرئ : يخصفان ، من خصف بالتشديد (مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ) قيل : كان ورق التين (أَلَمْ أَنْهَكُما) عتاب من الله تعالى وتوبيخ وتنبيه على الخطأ ، حيث لم يتحذرا ما حذرهما الله من عداوة إبليس وروى : أنه قال لآدم : ألم يكن لك فيما منحتك من شجر الجنة مندوحة عن هذه الشجرة؟ فقال : بلى وعزتك ، ولكن ما ظننت أنّ أحداً من خلقك يحلف بك كاذباً. قال : فبعزتي لأهبطنك إلى الأرض ثم لا تنال العيش إلا كدّا. فأهبط وعلم صنعة الحديد ، وأمر بالحرث فحرث وسقى وحصد وداس وذرى وطحن وعجن وخبز.
(قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ)(٢٣)
وسميا ذنبهما وإن كان صغيراً مغفوراً ظلما لأنفسهما (١) وقالا (لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) على عادة الأولياء والصالحين في استعظامهم الصغير من السيئات ، واستصغارهم العظيم من الحسنات.
(قالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ (٢٤) قالَ فِيها تَحْيَوْنَ وَفِيها تَمُوتُونَ وَمِنْها تُخْرَجُونَ)(٢٥)
__________________
ـ قالت عائشة «ما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا من نسائه إلا متقنعا مرخى الثوب على رأسه ، وما رأيته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا رآه منى ـ تعنى الفرج» إسناده ضعيف. وروى الترمذي وابن ماجة وأحمد وابن أبى شيبة من رواية عبد الله بن بزيد عن مولى عائشة قالت «ما رأيت فرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قط» وروى الدارقطني في غرائب مالك عن الزهري ورواه الطبراني في الصغير من رواية أنس عن عائشة مثله ـ وزاد «ولا نظر إلى فرجي قط» وفي إسناده زيد بن الحسن عن مالك. وهو ضعيف ، وقال لا يصح هذا عن مالك ولا عن الزهري. وروى الطبراني في الصغير من رواية أنس عن عائشة نحوه. وفي إسناده بركة بن محمد الحلبي ، وهو متروك.
(١) قال محمود : «سميا ذنبهما ظلما وإن كان صغيراً مغفوراً ... الخ» قال أحمد : وهذا أيضا اعتزال خفى ، لأنهم يزعمون أن اجتناب الكبائر يوجب تكفير الصغائر وإن لم يتب العبد منها. فهذا معنى قول الزمخشري : وإن كان صغيرا مغفوراً. وإنما وسمت هذا الاعتزال بالخفاء ، لأن هذا الكلام يستقيم وروده عن أهل السنة ، لكنهم يعنون بكونه مغفوراً : أن الله تعالى تفضل بغفرانه ، ولو شاء لآخذ به وإن كان الأنبياء معصومين من الكبائر ، لا كما بزعمه المعتزلة من وجوب مغفرته ، والله الموفق.