من حيث أنه في معنى : كما أتى الأوّلون بالآيات ، لأنّ إرسال الرسل متضمن للإتيان بالآيات ألا ترى أنه لا فرق بين أن تقول : أرسل محمد صلى الله عليه وسلم ، وبين قولك : أتى محمد بالمعجزة.
(ما آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ)(٦)
(أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ) فيه أنهم أعتى من الذين اقترحوا على أنبيائهم الآيات وعاهدوا أنهم يؤمنون عندها ، فلما جاءتهم نكثوا أو خالفوا ، فأهلكهم الله. فلو أعطيناهم ما يقترحون لكانوا أنكث وأنكث.
(وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)(٧)
أمرهم أن يستعلموا أهل الذكر وهم أهل الكتاب ، حتى يعلموهم أن رسل الله الموحى إليهم كانوا بشرا ولم يكونوا ملائكة كما اعتقدوا ، وإنما أحالهم على أولئك لأنهم كانوا يشايعون المشركين في معاداة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال الله تعالى (وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً) فلا يكاذبونهم فيما هم فيه ردء لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
(وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَما كانُوا خالِدِينَ)(٨)
(لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ) صفة لجسدا ، والمعنى : وما جعلنا الأنبياء عليهم السلام قبله ذوى جسد غير طاعمين. ووحد الجسد لإرادة الجنس ، كأنه قال : ذوى ضرب من الأجساد. وهذا ردّ لقولهم (ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ). فإن قلت : نعم قد ردّ إنكارهم أن يكون الرسول بشرا يأكل ويشرب بما ذكرت. فما ذا ردّ من قولهم بقوله (وَما كانُوا خالِدِينَ)؟ قلت : يحتمل أن يقولوا إنه بشر مثلنا يعيش كما نعيش ويموت كما نموت. أو يقولوا : هلا كان ملكا لا يطعم ويخلد : إما معتقدين أن الملائكة لا يموتون. أو مسمين حياتهم المتطاولة وبقاءهم الممتدّ خلودا.
(ثُمَّ صَدَقْناهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْناهُمْ وَمَنْ نَشاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ (٩))
(صَدَقْناهُمُ الْوَعْدَ) مثل واختار موسى قومه. والأصل في الوعد : ومن قومه. ومنه: صدقوهم القتال. وصدقنى سنّ بكره (وَمَنْ نَشاءُ) هم المؤمنون ومن في بقائه مصلحة.
(لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ)(١٠)