سورة العنكبوت
مكية [إلا من آية ١ إلى غاية آية ١١ فمدنية]
وآياتها ٦٩ [نزلت بعد الروم]
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(الم (١) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (٢) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ)(٣)
الحسبان لا يصح تعليقه بمعاني المفردات ، ولكن بمضامين الجمل. ألا ترى أنك لو قلت : حسبت زيدا وظننت الفرس : لم يكن شيئا حتى تقول : حسبت زيدا عالما ؛ وظننت الفرس جوادا ، لأنّ قولك : زيد عالم ، أو الفرس جواد ؛ كلام دال على مضمون ، فأردت الإخبار عن ذلك المضمون ثابتا عندك على وجه الظن لا اليقين ، فلم تجد بدّا في العبارة عن ثباته عندك على ذلك الوجه ، من ذكر شطرى الجملة مدخلا عليهما فعل الحسبان ، حتى يتم لك غرضك. فإن قلت : فأين الكلام الدال على المضمون الذي يقتضيه الحسبان في الآية؟ قلت : هو في قوله (أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ) وذلك أن تقديره : أحسبوا تركهم غير مفتونين ، لقولهم : آمنا ، فالترك أول مفعولي حسب ، ولقولهم : آمنا ، هو الخبر. وأما «غير مفتونين» فتتمة الترك ، لأنه من الترك الذي هو بمعنى التصيير ، كقوله :
فتركته جزر السّباع ينشنه (١)
ألا ترى أنك قبل المجيء بالحسبان ، تقدر أن تقول : تركهم غير مفتونين ، لقولهم : آمنا ، على تقدير : حاصل ومستقر ، قبل اللام. فإن قلت : (أَنْ يَقُولُوا) هو علة تركهم غير مفتونين ، فكيف يصح أن يقع خبر مبتدأ؟ قلت : كما تقول خروجه لمخافة الشر ، وضربه للتأديب ، وقد كان التأديب والمخافة في قولك : خرجت مخافة الشر ، وضربته تأديبا : تعليلين. وتقول أيضا : حسبت خروجه لمخافة الشر ، وظننت ضربه للتأديب ، فتجعلهما مفعولين كما جعلتهما مبتدأ
__________________
(١) تقدم شرح هذا الشاهد بالجزء الأول صفحة ٧٥ فراجعه إن شئت اه مصححه.